أرقام…

الوحدة: 1-6-2020

 

الإنسان محاصر بالأرقام, وهو لا يشعر ولا يدرك، إذ أن له رقماً بين إخوته حين يولد، فهو الأول أو الثاني أو الأخير، ويمنح شهادة ميلاد ملأى بالأرقام، ثم يذهب إلى المدرسة ليجد لنفسة ترتيباً بين أقرانه، وهناك من يقبل في الحياة بأي رقم, وهناك من لا يقبل إلا بالرقم واحد، وهؤلاء قلة تتعب وتُتعب، ومن اختار رقمه بنفسه فسوف يعاني الأمرين حتى لوكان ذلك رقم سيارته إذ عليه أن يدفع مبلغاً يصل في بلادنا إلى عشرات الملايين أحياناً ولا أعرف مكاناً غير منطقتنا يشتري فيه الناس أرقام السيارات والهواتف المميزة بأرقامها لأنها من المقتنيات التي يصعب بيعها ولكن اختيارك لرقمك قد يفرض عليك دفع مثل تلك الأرقام الفلكية. ومن الناس من يتفاءل بأرقام بعينها وهناك على العكس من يتشاءم من نفس الأرقام .

 ولعل الرقم( ثلاثة عشر) هو أكثر رقم تعرض لهذه المحنة حتى تم رفعه من على مقاعد الطائرات وغرف الفنادق لأن الزبائن يتشاءمون منه و أكثر الناس يقضون أعمارهم لتحطيم الأرقام القياسية في الرياضة والأعمال والإنجازات  ولا يوجد شخص في الدنيا لا يتمنى تحطيم الرقم القياسي في جمع المال ويتمنون أكثر ما يتمنون تحطيم الرقم القياسي في البقاء على الكرسي .

 وللحق فقد سجلنا في ذلك أرقاماً غير مسبوقة وما زلنا نشاهدها في معظم مؤسساتنا ودوائرنا .

 ولعل لغة الأرقام تؤرق بلدين كبيرين هما الصين والهند حيث تجاوزت أعداد الناس هناك المليار بمئة أومئتي مليون نسمة وإذا بقينا على هذه الحال .فإن العالم سيتعرف ببساطة إلى هاتين الجنسيتين بشكل لافت حيث سيكون بين كل خمسة من البشر شخص صيني وآخر هندي ومع كل ما فعلته الدولتان للحد من الانفجار السكاني فإنهما حتى هذه اللحظة لا تزالان في معاناة شديدة من هذا الرقم المخيف الذي مع الوقت سيكون هو الرقم المشؤوم لهما ومن باب ذكر الشيء بالشيء يقال إن خبراء النكتة اتفقوا على ترقيم النكت حتى يختصروا على أنفسهم عناء روايتها فكانوا إذا أراد الواحد منهم ان يسرد نكتة بعينها فإنه يكتفي بذكر رقمها ويضحك الجميع ومن الغريب أن أكثر شعوب الأرض معاناة هي أكثرها ضحكاً وكأن الإنسان بطبعه مخلوق ضاحك .فالعرب يسجلون الأرقام القياسية في عدد النكات التي تظهر سنوياً مع ما يمر بهم من أزمات طاحنة تشكل رقماً مخيفاً مما تتعرض له البشرية من ويلات وعلى الأقل فقد نجحوا في جمع النقيضين وهما المأساة والملهاة .فالقدرة على الضحك ليست مسألة سهلة والأصعب منها القدرة على إضحاك الناس لأنها موهبة نادرة ولكننا نحن العرب خلافاً لباقي الأمم لا نضحك فقط على ما يضحك بل إننا أحيانا نضحك على  البلايا ولهذا فقد شاع عندنا مثل قديم يقول ( شر البلية ما يضحك).

 لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار