(عايشين كل يوم بيومو) حتى في رمضان

الوحدة : 25-4-2020

أما وقد هلّ رمضان علينا ونأمله بخير، فإن الناس قد خرجت بعد أن عاشت في سبات مع بواطن أوجاعها ومخاوفها وتركت بيوتها تقصد الأسواق، وقد جاؤوا من القرى ومحيط المدينة ليتسوقوا بعض الحاجات والضروريات استعداداً لشهر رمضان حيث أن البائعين عندهم وأصحاب المحال التجارية رفعوا الأسعار بأعلى ما عندهم لتكون لقمة عيشهم غصة في حلقهم فما استطاعوا سبيلاً لتأمين مستلزمات أيام رمضان الأولى غير المدينة وأسواقها ليخففوا عنهم، ويدخلوا أبواب شهر الصوم مطمئنين.

قبل يومين فقط قصدت المدينة وقد جئتها من القرى غير البعيدة، وكنت أحسب شوارعها خالية من ناسها (لكن بعض الظن إثم) كما إثم هؤلاء الناس الذين تجمعوا في الأسواق بغير حذر فالجميع ينحشرون أمام البائعين ويسألون عن سعر هذه المادة وتلك من المواد الغذائية والخضار والفاكهة ويتجمعون ويتكومون أمام طبلية قد خفض صاحبها سعر بضاعته بخمسين ليرة عن جاره والرزق على الله، آه يا رمضان بأي شكل وحال جئتنا يا رمضان؟

أبو سائر بائع يصيح للبعيد والقريب (حمرا وبلدية يا بندورة صارت عنا ب400) وهي عند غيره تزيد بمائة ومائتي ليرة لينكب جميع من يسمعه ويمر به حول عربته ويبدؤون بالتنقيب عن بعض الحبات الصحيحة والصالحة للأكل، وهناك سألت إحداهن عن الأسعار وتحضيراتها لرمضان لترد بقولها: الحمد لله أننا بخير ورمضان كريم على الجميع (نعيش كل يوم بيومو) في رمضان وغيره من الأشهر والأيام فالراتب محدود ولا حاجة للتخزين والتكويم من المواد والغذاء فكل يوم الأسعار تتأرجح قد تنخفض وقد تزيد، وتحتاج العائلة منا نحن النساء أن نحتسب  قائمة حاجياتنا كل يوم ونعد ما بأيدينا من نقود ومن ثم نهب إلى السوق الذي اشتعلت فيه الأسعار البطاطا ب500ليرة والبندورة ب600ليرة وورق الدوالي ب3000ليرة والخسة ب150ليرة و.. (خليها ع الله)، والشاطرة هي من تأتي بأحمال وتنفذ بطبخة شهية لليوم، نتدبر أمرنا لنأتي بلوازم تحضيراتنا لرمضان واللقاء به بفرح ولو في الأيام الأولى منه لنشعر باختلاف أيامه الخيرة عن غيرها.

أبو سائر اقترب منا ليدلي بدلوه فقال: اليوم البندورة ب600ليرة وما فوق وقد قمت بتنقية الحبات الجيدة وصنفتها لثلاث طبقات وكل منها ألحقتها بسعر ليختار صاحبها وطالبها على ذوقه وحسب مقدرته الشرائية فلا يرجع منهم عندي خائب، وليس بيدنا هذه الأسعار التي يشتكي منها الناس فنحن أيضاً نريد أن نعيش وهذه البندورة شامية وتكلفنا الكثير لتوصيلها إلينا وحتى بالجملة يفوق سعرها 500ليرة ووجه (السحارة غير سفلها) كما أن بعضهم من المشترين عند تنقيتهم للبندورة يقلبونها كثيراً لتسوء حالها و(تتخبص ) ويصير الجيد سيئاً أيضاً وقد نخسر في بيعتنا الكثير لهذا أصنفها وأجد بعض الرزق فيها، وليس بيدنا هذه الأسعار كما يدعي بعضهم فهي جائرة على البائع كما على المشتري، ولسنا بأحسن حال منهم، ونسأل الله الفرج والفرح في رمضان.

هذا الشاب يبيع التمر والتين اليابس المعبأ يدوياً بأكياس نايلون شفاف ذات الحجم كيلو واحد بألف ليرة فقط ومقابله تاجر جملة سعرها عنده بأضعاف مضاعفة، ومع هذا الناس بعيدين عنه  ولا تجذبهم بضاعته لكن أحدهم اقترب منه وسأله عن السعر ومن أين يأتي  بها فرد الصبي بألف (وهي شغل مصياف) فاعتدل الرجل بقامته ليمشي خطوة واثنتين وكنا قد اندفعنا إليه لنسأله عن امتناعه عن الشراء وهي رخيصة فرد بكلمة واحدة (الجمل بفرنك وما معك فرنك) هناك أولويات رغيف الخبز أولاً .. وانسحب دون أن يدير لنا وجهه.

بداية السوق فيه المحال التجارية التي تختزن المواد الاستهلاكية والغذائية والحبوب والمعلبات وغيرها المنظفات وبعضها الخضار أو الفاكهة ولو على العربات فإن الأسعار نار وتزيد بمئة وأكثر عن غيرها التي سكنت واستكانت في آخر السوق والطرف الآخر منه وكلما غصت في بواطن السوق وناسه تخف الأسعار على المشترين، فمثلاً باقة من الثوم بوزن الكيلو رأيناها في أول السوق بألفين وثلاثة ومثلها في وسط السوق وعلى أرضية سوزوكي صغيرة ب750ليرة فقط وكان الناس قد تجمعت ليصيح كل منهم (اعطني إياها ) كما الموز ب1400ليرة وفي أعماق السوق بألف فقط كما أشارت إحدى السيدات ووشت به لقريبتها التي لاقتها في السوق وكانت قد اقتربت من أحد البائعين الذين يحطون ببضاعتهم (الموز) في بداية السوق.

السوق عامر بكل ما لذ وطاب  لكن من يشتري وإن اشترى فهو لقليل ولم يعد كأيام زمان كل ما يشتهي ويريد؟ حتى أن التجمع عند بائعي اللحوم والجبنة  يكاد يختفي بأوزان وأثقال، فهي تفوق العشرة آلاف للحم الخروف بألفين والعجل بتسعة ،أما الجبنة المشللة للبيتزا ب2900ليرة فقط والباقي يعلو ويستطير بلاء بالناس، ولا هبوط للحرارة واشتعال الأسعار أو انخفاض في الأفق وأجواء أسواق رمضان.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار