بعض النظرات أكثر استفزازاً من الكلمات…

الوحدة : 21-4-2020

 الكثير من الشقاق الزوجي المتراكم ينجم عن سوء التصرف في لحظات الغضب والرجال هم الأكثر غضباً من النساء وخصوصاً في الحوارات الزوجية بغض النظر عن أهمية الأمور موضع النقاش لأن الرجل يتسم بقصر النفس في حواره مع زوجته حتى وإن كان محاوراً فذاً خارج بيته.

 وإذا كان الرجل هو الأكثر غضباً فمعنى ذلك أن المرأة هي الطرف المتهم بسوء التعامل مع المواقف الغاضبة وقد تبدو هذه المعادلة مجحفة بحق الزوجة لكننا نذهب أبعد من ذلك لنقول إن الحياة الزوجية المستقرة هي ثمرة لثلاثة عوامل هي المرأة أولاً والمرأة ثانياً والرجل ثالثاً.

 ولا يختلف اثنان على أن منسوب الأنانية لدى الرجل في العموم أعلى منه لدى المرأة وهذا ما يجعله الطرف الأكثر تفكيراً بذاته وتمحوراً حولها ومن المعروف عن المرأة تاريخياً أنها تجيد امتصاص المواقف المتوترة والتعامل مع غضب الزوج وكثير من الأزواج يعترفون بذلك ويقولون إنهم مدينون باستقرار أوضاعهم الزوجية لنسائهم اللاتي يتحلين بعقول كبيرة في الأوقات التي تصبح الحاجة فيها ماسة للعقل الكبير.

 بعض النظرات أكثر استفزازاً من الكلمات

 ماذا تفعلين عندما ينفجر زوجك غاضباً؟ هل تبادلينه صراخاً بصراخ هل تديرين ظهرك وتغادرين الغرفة بعد أن تغلقي الباب بقوة ليخلق صوتاً كالانفجار؟ هل تحدقين في عينيه بحد صامت وكأنك تقولين له ( ها أنا أستفزك أكثر فأكثر فافعل ما شئت).

 هل تسخرين منه ومن غضبه الساطع بابتسامة صفراء فيها الكثير من التحقير من المعلوم أن أفضل طريقة تواجهين بها غضب زوجك هي الصمت ولكن أي نوع من الصمت تتبعين؟ فهناك صمت استفزازي وصمت انسحابي وصمت انصياعي ..إلخ.

 في تلك الأوقات الصعبة التي يفقد فيها الزوج صوابه تغدو الإشارات المصاحبة للكلمات أهم من الكلمات نفسها وتصبح التعابير الصادرة عن ملامح الوجه أهم بكثير من السلوك الذي تختاره المرأة وتصبح إشارة خفيفة من اليد أو الرأس كثيفة بمعان لا تقوى الكلمات نفسها على التعبير عنها ولهذا السبب فإن أي طرف ثالث لا يمكنه أن يلعب دوراً حقيقياً في حلحلة المواقف وتطييب النفوس ما لم تكن رغبة الحلحلة موجودة لدى الطرفين نفسياً فبإمكانية المرأة مثلاً أن تقسم أغلظ الإيمان أنها لم تقل أي كلمة استفزازية وهي صادقة في ذلك لكن اليمين الذي أقسمته لا يشتمل على تعابير وجهها التي أدت إلى إثارة المزيد من غضب الزوج.

 وليس الكلمات ذاتها، إن إشارة واحدة من الوجه أو اليد أو العين في لحظة احتدام الغضب كافية لإرسال رسالة ذات مضامين استفزازية تزيد على ما تحمله مجلات من الأقوال المسيئة، وأحياناً يكون الرجل بارعاً في استفزاز الزوجة دون أن يكون قد أخطأ بالمفهوم الدارج للأخطاء.

 ليس كل ما يقال في ساعة الغضب يمثل ما يدور في العقل الباطن، فهو لم يلجأ للسب والشتائم مثلاً بل إنه لم يلجأ للصياح وأبقى على صوته منخفضاً أكثر من اللازم كما إنه ربما استخدم كلمات مهذبة من قبيل يا عزيزتي ويا حبيبتي ومع ذلك كانت نظراته فيها الكثير من رسائل التهديد أو التحقير أو التقليل من شأن الزوجة في هذه الحال وعندما يبلغ الاستفزاز ذروته عند المرأة ربما يلجأ الطرفان إلى طرف ثالث فيقسم الرجل بأنه مستغرب للسبب الذي دفع الزوجة للاحتجاج أو الزعل فهو لم يتجاوز حدود التهذيب أبداً وبإمكانه الكلمات التي صدرت عنه حرفياً.

 وعندئذ يسقط في يد الزوجة أمام الآخرين فهي لا تستطيع التشكيك في مصداقية كلامه وفي الوقت نفسه لا تستطيع إيصال ما يجول في خاطرها عن الموقف ربما لأنها لا تجيد التمثيل أو لأنها تدرك أن الآخرين لن يفهموا مقدار الإهانة التي شعرت بها نتيجة موقف تعرف هي وحدها مدلولاته أو لأنها لو ذهبت بعيداً في تفسير تعبيرات وجه الزوج وإشارات يديه وعينيه فلن يصدقها أحد.

 ونتيجة ذلك يتوصل الزوج أو الزوجة، إلى عبثية طرح الموضوع على أي طرف ثالث بل إنه لا يجد جدوى من الحديث في الأمر مع الشريك نفسه لأن ذلك الشريك إما أنه يتعامى عن وضع يده على الأسباب الحقيقية للاستفزاز وإما إنه غير قادر على فهم تلك الأسباب وهناك سبب ثالث وهو و يا للأسف أكثر شيوعاً ألا وهو إحجام المرء (زوجاً كان أم زوجة) عن الإفصاح عما سبب له الاستفزاز بالضبط.

 أصول الحوار فمن قواعد التواصل الزوجي في أوقات الأزمات أن المرء يجب أن يبدأ جملته  بكلمة (أنا) وليس (أنت) معنى ذلك أن تقول المرأة أنا شعرت بالمهانة لأنك أشرت بيدك تلك الإشارة الدالة على احتقار أو استهزاء أو أنا أشعر أنك تتجاهلني وتتعمد الانتقاص من قيمتي في بعض الظروف مثل كذا وكذا.

 تكمن أهمية هذه الطريقة في الحوار في أمور عدة من أهمها الافتراض بأن الطرف المتسبب بالاستفزاز ربما لا يعلم  بالفعل إنه تسبب ذلك ومن شأن تنبيهه بتلك الطريقة الخالية من العدوانية والبعيدة عن المباشرة أن يدفعه إلى مراجعة نفسه والتفكير في إمكان تغيير أسلوب كلامه أو نظراته أو إشارات يديه إذا لم تتوفر هذه المكاشفة وبهذه الطريقة المهذبة فالنتيجة الطبيعية هي حدوث نوع من الجفاء والتباعد التدريجي وبالتالي الفتور والكبت الشعوري الذي ينتظر اللحظة المناسبة كي ينفجر بصورة خارجة عن السيطرة وغير محمودة العواقب وقد يكون ذلك الانفجار هو آخر معركة زوجية يخوضها الطرفان، قبل مثولهما أمام قاضي الطلاق.

 عودة إلى السؤال الأساسي كيف تواجهين نزعة الغضب عندما يحتدم الخلاف بينك وبين زوجك إن طرح السؤال بهذه الطريقة لا ينطوي على قصد بأن المرأة هي الطرف الذي يتوجب عليها دائماً امتصاص نقمة الزواج وإنما الغرض هو تزويدك ببعض الإضاءات التي تستطيعين من خلالهما إدامة شعلة التفاهم والود والدفء في علاقتك.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار