قرية زمرين.. والإهمال المقصود

الوحدة 26-3-2020

كثيراً ما نتلقى الشكاوي بخصوص البلديات، منها ما يتعلق بنقص الخدمات عموماً ومنها ما يكون متعلقاً بناحية معينة فقط، في الغالب كانت أكثر الشكاوى التي تصلنا متعلقة بتكوم القمامة أو بالصرف الصحي، ولكن اللافت في هذه الأيام كثرة الاتصالات التي تلقيناها من عدة بلديات وتتمحور فقط حول القمامة بشكل مباشر، ربما هو الخوف من (كورونا) الذي لا شيء فيه يحمد إلا ذاك الانتباه الشديد من قبل الناس، بعضهم لم يستشعر الخطر الوبائي إلى الآن وبعضهم (وهم الغالبية) كما نشاهد تدارك الموضوع واتخذ الإجراءات بشكل جيد يدل على وعي الأهالي أو خوفهم وفي الحالتين فالنتيجة هي درهم الوقاية الأشد أهمية في ظل انعدام العلاج إلى الآن، معظم الاتصالات الواردة إلى مكتب (جريدة الوحدة بطرطوس) منذ فترة تحججت بهذا الوباء الذي كنا نتمنى حتى عدم ذكره ولكن للضرورات قوانين طوارئ تحتم علينا اختيار الأهم والأشد إلحاحاً للمعالجة حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، راجعنا أشدها إلحاحاً وطلبنا الشواهد ممن تقدم بالادعاء ثم باشرنا، أعلمنا رئاسة التحرير بموضوعنا وطرحنا المشكلة بحيثياتها ثم أخذنا الإذن بالبدء، والبداية بعد تلقي الإذن بالمباشرة كانت بجولة للتحقق من صدق ما وردنا على أرض الواقع بكل نواحيه ثم بعض الأسئلة واللقاءات مع الأهالي التي تركزت بمعظمها حول تجمعات القمامة التي كانت موضوعنا الأهم ولكننا بعد دردشات قصيرة وصلنا إلى ما هو أشد مضاضة من مجرد تجمعات قمامة إلى مخالفات مستهترة و(منافع شخصية) ثم إلى مقارنات شديدة التفاوت جعلتنا نقف حائرين من أين نبدأ الحكاية في قرية زمرين.

على أرض الواقع..

ثلاثة أشهر على أقل تقدير هي المدة التي تركت فيها أكوام القمامة مكدسة دون يد تمتد لتنظيفها وتمكنا بسهولة من تحديد الوقت بسبب الظهور الواضح  للتعفن والعصائر النازفة منها وقوة الروائح المخرشة التي تعشقت في أنوفنا بشدة ورغم أن شهادات الأهالي ادعت مدة أكثر من ذلك لكننا فضلنا الرقم الأدنى، عدد التجمعات (المزابل) بلغ 21 تجمعاً 12 منها كان تجمعاً لعدد كبير من المنازل أو حارة بأكملها والباقي كانت تجمعات صغيرة نسبياً تدل على استخدامها من قبل عدة بيوت فقط ورغم تلك الروائح (العطرة) لكن الأشد خطراً وغرابة هو الكم الهائل من البعوض  والذباب ذو اللون الأزرق الذي أجبرنا على التصوير من داخل السيارة والنوافذ مغلقة رغم أننا فعلياً في نهاية فصل الشتاء ومن المفترض أن يمنع البرد تكاثرها ومن الطبيعي في مثل هذه الحالات وككل مرة قمنا بتغطية موضوع القمامة كانت الجرذان بطلة المشهد دائماً ولكن التناقض الملفت في حالتنا هذه أنها تصادقت مع القطط على ما يبدو فتشاركوا نفس (المزبلة) في ظل انعدام أي نوع من الحاويات باستثناء (برميلين) وضعا على عجل في بداية القرية وبعيداً عن التجمع السكاني، أما بخصوص باقي الخدمات وبنظرة سريعة استطعنا أن نرى وجود أجهزة الإنارة الطرقية دون أسلاك تغذية كهربائية مع وجود البعض منها منكسراً متدلياً نتيجة الإهمال بالإضافة للحفر المتكررة في الطرقات والتي لوحظ الإهمال الشديد في بعض الطرقات الفرعية داخل البلدة والتي يظهر عليها الانجراف نتيجة العوامل الطبيعية باستثناء الطريق الرئيسي في بداية القرية والذي سيكون له حكاية مشبوهة.

مع الأهالي…

لمزيد من الدقة ودرءاً لأي شبهة لدينا بتحضير الأقوال تعمدنا أثناء استقصائنا أن نتجنب التواصل مع الأشخاص الذين تقدموا بالشكوى ولم نعلمهم بموعد زيارتنا نهائياً، فضلنا أن تكون العينة عشوائية والبداية كانت مع رجل التقيناه على قارعة الطريق يحمل معداته الزراعية فسألناه عن النظافة خصوصاً والخدمات المقدمة من البلدية عموماً فأجاب بجملتين مختصرتين تعكس سليقة رجل كادح مشيراً إلى أحد أكوام القمامة في بداية القرية وقال:  (هالمنظر بيحكي لحالو) ثم أضاف جملته الثانية (خلينا نشوف رئيس البلدية بالأول لنشوف خدماتو) ثم هز برأسه تاركاً إيانا وكأنه يوحي لنا بفقدان الأمل في إصلاح الوضع، الرأي الثاني الذي سمعناه كان من شاب عسكري احتياط، رآنا نصور التجمع الكبير تحت نافذة بيته تماماً فصرخ بنا مستوضحاً إن كنا من الصحافة ثم طلب منا الانتظار ليكلمنا وبدأ حكايته: مراراً اتصلت برئيس البلدية لتنبيهه أن عمال النظافة لديه لا يزيلون إلا بضعة أكياس كل أربعة أيام وهذا ما فاقم الوضع كثيراً إلى درجة  بت أغلق نافذتي تماماً من شدة الروائح كما أن زوجتي أصيبت (باللاشمانيا) ففوجئت به يطلب مني مساعدة العمال في التنظيف ويحاول إقناعي بتسجيل أسماء الذين يرمون القمامة ورغم أني جهدت في محاولة إقناعه بوضع حاويات قمامة بعيداً عن بيتي لتلتزم الناس بها لكنه ظل يسوف ويعد دون جدوى فلا عماله نظفت ولا الحاويات وضعت والوضع كما ترون حتى بعد موجة الكورونا هذه، هنا قاطعه أحد أصحاب المحلات قائلاً إن رئيس البلدية وبعد شدة الضغط عليه من قبل الأهالي للتصرف الفوري باتخاذ إجراءات السلامة الاحترازية اكتفى بالوعود والتسويف ولم يقم بأي خطوة حقيقية وظل يتهم الأهالي ويطلب منهم تحمل المسؤولية وتنظيف التجمعات بأنفسهم وقبل أن ينهي كلامه كان بعض الأهالي قد تشجعوا وبدؤوا الكلام بسلاسة بعد أن رفض بعضهم محادثتنا قبل لحظات لينتقل الحديث إلى مستوى أكبر وتجاوزات صادمة أكثر جعلتنا نجلس طويلا لنشرب الشاي ونستمع… عمال البلدية احتجوا بتعليمات رئيس البلدية بأنهم غير مسؤولين عن جمع القمامة الطبية التي تنتجها إحدى الصيدليات في القرية (حقن طبية، شاش، عبوات دوائية فارغة) ورغم الترجي الشديد اضطرت الصيدلانية لطمر قمامتها بعيداً عن القرية، أحد أصحاب المحلات المهنية فوجئ بارتفاع قيمة المسقفات التي يدفعها من 15.000 إلى 31.000 ليرة لأنه ناقش رئيس البلدية عن سوء الخدمات وطلب منه القيام بدوره، صاحب محل آخر فوجئ هذه السنة بضريبة (زفتية) تبلغ 60.000 ليرة رغم أن الطريق المحاذي لمحله لم يعبد منذ سنوات، أما أحد الشبان المتحمسين فاستغرب كلام رئيس البلدية عندما طلب منه وضع القمامة في أكياس سوداء حصراً لتتم إزالتها ورغم أنه التزم بذلك لكن القطط والقوارض المنتشرة نهشتها ومزقتها فرفض عماله جمعها مجدداً وأكمل هذا الشاب مازحاً بخفة دمه: يبدو أن رئيس البلدية يريدنا أن نضع القمامة في أكياس سوداء ونزينها بأشرطة الهدايا المزركشة ثم نضع عليها وردة حمراء لتتم إزالتها.

قصة الإسفلت والمنافع الشخصية

الطريق الرئيسية والتي تكلمنا عنها بداية، هل تذكرونها؟ هذه قصتها، حسب زعم الأهالي فإن تعبيد الشارع الذي يدخل قريتهم زمرين بدءاً من مفرق طريق – طرطوس الشيخ بدر – لم يصل حتى نهاية القرية (تأكدنا من هذا فعلياً) كما هو مقرر في خطة التعبيد منذ سنوات والسبب أن رئيس البلدية أنشأ ساحة أمام بيته واستخدم كمية هائلة من الإسفلت فيها (استطعنا تصوير ذلك) لا بل أنه قام بتعبيد الممرات الإفرادية الصغيرة الواصلة لبيوت أقاربه، حتى أن الإنارة الطرقية على الأعمدة بمجملها خارج الخدمة كما ذكرنا لكن  جهازي الإنارة الحديثين تماماً والمتواجدين على حائطي بيت رئيس البلدية يعملان تماماً ومضاءان يومياً فهل يمكن تسمية هذا بغير (المنافع الشخصية) كما قال أهالي القرية.

عجائب التبريرات

بعض التقصير أحياناً له منطق يحتم عليك الصمت لوجود صعوبة ما أو ظرف قاهر يجبر المقصر لارتكابه، بعضه الآخر يمكنك أن تجد حجة تبرره فيها ولو بشكل جزئي، ولكن الشكل الأشد (….) هو إصرار المقصر على استهتاره بألف حجة وطريقة بما لا يمكنك من وصف فعل التقصير هذا بغير الفساد المطلق، ولساعتين متواصلتين فشلنا تماماً في استحصال معلومة مفيدة من رئيس بلدية السودا المهندس خالد قزيحة التي تتبع لها قرية زمرين، التسويف المطلق بأنه سيفعل وسيعمل وسين وشين وصاد وضاد لآخر حروف الهجاء، حتى عندما كنا نعيده إلى الحديث ونرجوه بأن يجيب على أسئلتنا عن الواقع المزري لقريته زمرين كانت الإجابات بالغة التهجم على أهالي القرية بشكل أثار استغرابنا تماماً، والأشد غرابة أنه برر أكوام القمامة بأن البلدية مسؤولة عن ترحيل القمامة وليس جمعها (؟؟) ولم يكترث وهو يصرح لنا بأن على الأهالي وضعها في أكياس سوداء حتماً ولن يقبل بأي نوع آخر من أكياس الخبز مثلاً لأنها عرضة للتشقق والاهتراء وأنه أمر العمال بألا يزيلوا أي كيس قمامة يخالف هذه المواصفات والأهالي غير ملتزمين بأوقات رمي القمامة بل أنهم يتقصدون مرور جرار القمامة ثم يقومون برمي مخلفاتهم وسبق أن طلب منهم إخباره عمن يرمي القمامة في غير الأماكن المخصصة ولكنهم رفضوا ذلك حتى أنه حاول مراراً إقناعهم بالتعاون معه وتنظيم حملة نظافة عامة ولكنهم لم يستجيبوا نهائياً كما أن الأسلاك الكهربائية على الأعمدة سرقت وأجهزة  الإنارة الطرقية خربت من قبل بعض الأشقياء والمطلوبين أمنياً وقضائياً للتخفي عن أعين الجهات المختصة، هنا تدخلنا وطلبنا منه تفسيراً لمشاهداتنا عن التجاوزات التي رأيناها بأعيننا وصورناها بكاميراتنا كالساحة الإسفلتية المعبدة أمام بيته شخصياً مع بعض أقاربه بالإضافة لأجهزة الإنارة فكان جوابه أن متعهد الإسفلت قام دون علمه (بتزفيت) الساحة إكراماً له أما الإنارة فقد اشتراها من ماله الخاص، وأثناء حديثنا المطول معه اكتشفنا أنه خصص يومين لمرور جرار جمع القمامة في قرية زمرين ذات الكثافة السكانية العالية التي تقدر بحوالي ستة آلاف نسمة ويومين أيضاً لقرية السودا ذات الكثافة السكانية المنخفضة والتي تقدر بحوالي ثمانمائة إلى ألف نسمة على أقصى تقدير ورغم اعترافه بعدم حاجتها ليومين بسبب انخفاض كمية القمامة المنتجة لكنه أصر على أن قرية السودا هي مركز الناحية والبلدية وتزورها الوفود الرسمية دائماً وعليه أن يبقيها نظيفة تماماً حتى أن السيد (المحافظ) يتناول غداءه في أحد المطاعم المشهورة فيها ويجب أن تعكس صورة مشرفة للبلدية، أما ادعاء أهالي زمرين بأنهم يتمنون ربع الاهتمام الذي يعطيه لقرية السودا لدرجة أنه خصص عاملاً لجمع مخلفات طلاب المدرسة من أكياس (الشيبس) وبعض المهملات الصغيرة من الشوارع يومياً فإنه لم ينكره بل دافع وبرر هذا الفعل بحديث مطول عن استحقاق أهالي السودا لهذا الاهتمام الشديد بسبب تبرعهم المستمر للبلدية وعمالها بكافة أنواع المساعدات المالية والمادية وتعاونهم الممتاز في حملات النظافة التي تنظم بينما يرفض أهالي زمرين تقديم أية مساعدات من أي نوع كانت لا بل أن فعالياتها الأهلية والرسمية كالمختار وأمين الفرقة الحزبية وبعض الأعضاء السابقين في مجلس البلدية بالإضافة إلى الوجهاء يسعون جاهدين لعرقلته وإفشاله بتأليب الأهالي عليه حتى وصل الأمر حد دفع الرشاوي وشراء الذمم والضمائر، أوقفنا حديث التبريرات والاتهامات عند هذا الحد وطلبنا منه باختصار إجابتنا إن كان  سيلبي خوف الأهالي ويستجيب لهم بتنظيم حملة نظافة عامة مع التعقيم بالمواد المطلوبة ضمن إجراءات السلامة بسبب مرض (كورونا) كما طلبوا بأنفسهم فأجاب بأنه كان سيفعل ذلك بعد أيام من تاريخ زيارتنا كإجراء عام اتخذته الحكومة وكواجب عليه دون طلب من أحد.

الحقيقة على رجليها

باكراً جداً تم إيقاظنا لنوثق (المشكلة) كما أخبرنا المتصل من أهالي زمرين، بعد ساعة كنا في ساحة القرية التي تواجد فيها بعض شبابها مرتدين القفازات والكمامات بالإضافة إلى بعض الآليات (شاحنة كبيرة، جرافة، جرار بعربة، جرار آخر مزود بخزان رش) تلقينا الصدمة الأولى بأن رئيس البلدية يجري اتصالاته لعرقلة الحملة التطوعية التي نظمها الأهالي بحجة عدم استصدار الموافقات المطلوبة وأنه لم يعلم بها ويجب أن تكون تحت إشرافه المباشر، وفهمنا أن استدعاءنا كان بهدف إثبات التقصير المتعمد ورفع الادعاءات الظالمة عن الأهالي بعدم التعاون كما أن وجودنا قد يسبب إحراجاً يمنعه عن محاولاته، أما الصدمة الثانية فكانت تراجعه عن وعده للأهالي بإجراء حملة نظافة عامة مكتفياً بتوزيع زجاجات صغيرة عليهم طالباً منهم التعقيم ورشها بأنفسهم دون أن يزيل أياً من تجمعات القمامة، في النهاية استمرت الحملة حتى الساعة الثالثة ظهراً وتم إفراغ كافة تجمعات القمامة (المزابل) الكبيرة والصغيرة وتعقيم أماكنها بالكلور ومضادات الأوبئة والحشرات بالإضافة لتعقيم الشوارع وواجهات المحال (الدكاكين) التجارية والمنشآت الاقتصادية الموجودة في البلدة، ونرغب هنا بإعلام السيد رئيس البلدية الذي فاجأنا بحضوره الغاضب قبل دقائق من انتهاء الحملة بعد أن تيقن من التصاريح اللازمة باتصالاته الكثيرة ومحاولاً تقديم التبريرات التي لن تقنع عقل (سمكة) حتى تقنعنا نحن أنه تم إخلاء حمولة 14 شاحنة كبيرة من القمامة و 7 حمولات جرار (تركتور) واستلزم التعقيم رش 300 لتر من مادة الكلور مع 15 لتراً من مضادات الأوبئة والحشرات فهل هذا يعتبر طبيعياً؟ كما أننا نريد أن نسأله: هل هؤلاء الأهالي هم الذين يرفضون التعاون وحملات النظافة؟ أم هم الذين يجب شكرهم ونتمنى أن يكونوا نموذجاً تقتدي به بقية القرى، أليس من المفروض عليه التوجه بالشكر لمن قام بهذه الحملة من وجهاء القرية بدءاً من مختار القرية السيد (خالد رجب)  مروراً بأمين الفرقة الحزبية (مصطفي بازو) الذي استصدر التصاريح المطلوبة إلى السيد (عماد دوبا) الذي تبرع بشاحنته وعماله لنقل القمامة مسافات طويلة وأخيرًا للمهندس (أحمد سلمى) الذي تكفل بكل أجور الآليات ومعدات الرش مع ثمن مواد التعقيم بمجملها؟ أليس عليه ذلك بدلاً من الانشغال بكيل الاتهامات يميناً ويساراً لمجرد تبرير تقصيره المتعمد وادعاءاته الفارغة؟ أليس من مسؤولية المحافظة متابعة عمل بعض رؤساء البلديات وخصوصاً في هذا الظرف (الكوروني) الاستثنائي؟.

كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار