بــــلاد وعبـــــاد…. الأربعاء 11 آذار 2020

نشعر بالنشوة عندما يطل علينا مسؤول، ويعدنا بأنه سيغير ويبدل، ويحول جحيم الأسعار إلى جنة، فنطير بأحلامنا الوردية لنعانق سماء الأمل، ونعود لنرتب الأجر الشهري بما يتناسب مع وعود المسؤولين الرنانة، فبحسب ما يدلون به من تصريحات، سيصبح الراتب عزيزاً كريماً عند صاحبه، وملاذاً آمناً لمن يرتجف خوفاً على مستقبل أبنائه.
دعم المنتج، شعار رفعه كل من له شأن بالعجلة الاقتصادية، وبات الشعار ممجوجاً من كثرة تداوله على ألسنة الخلق، فمعظم النظريات المقدمة تقول أن دعم الإنتاج سيساهم في تغيير الواقع المعيشي، وسيحسن موقف الليرة السورية، ويخفض أسعار المواد، وهذا التصور لا لبس فيه، ولا تعقيدات في فهمه، ولكن، ولكن؟.
ربما تحتاج آلية دعم المنتج إلى ترتيبات متوسطة الأمد كي تظهر مفاعيله على الأرض، فالإنتاج في مسائل كبيرة يحتاج إلى تهيئة البنية التحتية والمواد الأولية وسوق التصريف القابلة لاحتواء المنتج المحلي وقبول المستهلك به كمنافس لنظيره الأجنبي، أما الإنتاج الذي لم يتوقف، ونعني به الإنتاج الزراعي والحيواني، فلا يحتاج إلى تعقيدات في عملية الدعم، ولا يحتاج إلى وقت كي تظهر مفاعيله، فكيف تدعمونه؟، هل بالتصريحات والبيانات؟ أم بالتسويف والتمنيات؟.
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أن وزارة الزراعة ستعمل، وتفعل، وتدعم، وتزيد المخصصات، والواقع ينبئ بعكس ذلك تماماً، ومن يريد رؤية الحقيقة، ما عليه إلا النظر في عيني مزارع بسيط، أو إلى جبينه المتعرق من أعباء العمل، وكلفة الإنتاج، ومضاعفة سعر السماد، والبذار والشتول والحراثة والتقليم.
الأمور المستجدة في الإنتاج الحيواني تكاد تخرج المنتج عن طوره، وتقضي تماماً على المستهلك، فإن قمنا بجولة على محلات الفروج مثلاً، سنرى إلى أين وصلت الحالة، وكيف يُعرض الناس عن مجرد السؤال (بكم الكيلو)، فالسعر تجاوز الألف وخمسمائة ليرة، ولا أحد يدري إلى أي سقف سيصل.
هنا نقف عند كلام المسؤول، ونحيله إلى هذه المادة فقط، قبل أن تصبح حلماً للمواطن المهترئ من قسوة المعيشة، ونسأله لماذا يجن جنون الفروج يا سيدي الكريم؟، وأين دعمكم؟ أليس بالإمكان توفير العلف والمتتمات بأسعار تروض هذا المنطلق كالصاروخ؟، أم أننا سنقف عاجزين عن أي تحرك فعال كما اعتدنا في مرات سابقة؟
لا نشك بقدرة الجهات المسؤولة على تقديم الحجج المعلبة أمام عجزهم عن إيجاد الحلول، فأقلهم حفظاً للنصوص الاحتجاجية، سيحيلنا إلى الحصار والقوانين العدائية تجاه بلدنا، وأفضلهم سيفلسف النص لإيهامنا بأنه مختلف عن غيره في طريقة طرح الحجة، وسيتجاهل الطرفان أن المسؤول لا قيمة لوجوده إن لم يجترح الحلول في زمن المصاعب، فأي رجل آلي قادر على تسيير الأمور المكتبية إن أدخلنا إلى عقله برنامجاً بهذا الخصوص.
قبل أول أمس صدر قرار مفاجئ يسمح باستيراد البطاطا، فجاء الاحتجاج على القرار من اتحاد غرف الزراعة، مع تفنيد يتضمن توفر المادة، وما سيحدثه القرار من ضرر بحق المزارع المنتج لهذه المادة، فتمت الاستجابة لهذا الاحتجاج وألغي قرار السماح بالاستيراد، وكأن شيئاً لم يكن، وهنا نترك الحكم للقارئ كي يحلل ويفسر طبيعة العقلية التي تحكم لقمة عيشه، وتصدر القرارات المتعلقة باستمرار حياته.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار