وإذا كان الجميع مختصاً؟!

العدد 9543
الأربعاء 4 آذار 2020

 

رحلتي المعتادة يومياً إلى جزيرة تشرين..

عفواً .. أقصد جامعة تشرين ..
هل يستطيع تخيلها أحدكم!؟
إنها لوحة مزركشة من المشقات والصعاب المبتذلة التي تهون بدورها عندما أتخيّل طلاباً مثلي منذ عقود .. نعم، لقد ذاقوا الأمرّين ولكن بشغف وهدفٍ أعُتقلَ مع كلمة «تطور» واعتبارات أخرى…

لكنني لا أتحدّث عن مشقات الطرقات أو المواصلات والازدحام أبداً، فمعظمها ممتعة لي حيث أختبر بهما حظي وصبري، كما أن لها طابعاً إيجابياً فهي تبرر تأخري عن محاضرتي الأولى والحمد لله…
مع الأسف ما يرهقني في هذه الرحلة الشيقة هي الأصوات.
لا لا أبدأ ليست زمامير السيارات ومحركات الدراجات وغيرها..
أقصد تلك الأصوات المفعمة بالثقة..
هل تستطيعون توقع عدد المعلقين الرياضيين والسياسيين والاجتماعيين ورجال الدين والخبراء العسكريين والأطباء ورجال القانون الذين أقابلهم … لم أستطع إحصاء العدد رغم تكرار الرحلة، هم كثر وربما هم كل من ألتقيهم وأتماشى معهم بالحديث خوفاً من ردّة فعلهم إذا تجاهلت …
أفضل عدم تجاهلهم أو إسكاتهم .
لأنهم لن يكترثوا بل سيزيدون الحديث تشويقاً وتوكيداً وبراهيناً وتواريخاً..
لذا أكتفي بالإيماء للأسفل وبعيون يابانية تارة وجاحظة تارة أخرى تدل على غرقي في عمق الحديث..
المهم أننا في بلد من البلدان النامية الجميلة الوادعة التي تحاول النمو، وهذه الصفات في البشر قالب لابّد منه..
فما فائدة الجامعة إذا كان الجميع مختصاً؟!
الله أعلم
لم أنتهِ هنا … فسأروي لكم قصصي الممتعة المتكررة إذا ما حالفني الحظ وبحركة انسيابية استطعت بفضلها الاندساس بجانب السائق المثقل بهموم الإصلاح، وعندما نبدأ بالنشرة الصباحية التي تُعاد ظهراً وعشية بين شكوى وطرقاتٍ وأسعار وشرطة واحتكار وأناس يتدافعون فنذهب إلى إعلان قصير مع محاضرة توعوية عن احترام الكبار ودفع الآجار والوقوف والانتظار ومع أصوات النقود المعدنية يبدأ الإيقاع من جديد.
الغريب هو عدم احترام النشرة واقتطاع أجزاء منها عند معظمهم بجملة دخيلة أتظاهر بطرشي عند سماعها وهي جملة مؤلفة من دعاء + كلمة نابية.
لا أعرف كيف تجتمع مع بعضها ولا يُدرك سببها إلا بشرح قواعد السير.
نسيت إخباركم أن هذا الكلام كلّه يكون على مسمع الجالسين وبتداخل المعلومات القيمة مع أغانٍ معظمها غير مفهومة تكون بحد ذاتها أثقلت دماغك وأنهكت سمعك وتحتاج استراحة عند الوصول.
أنقصت الكثير، خاصة أنَّ هناك آلة نقل حديثة خضراء صديقة للبيئة مع بعض الدخان الكثيف الأسود والصوت الموسيقي العالي.
لا ضَيْرَ في ذلك، فإن حالفك الحظ ووجدت نفسك واقفاً وبدأت رياضة الصباح مع أيدٍ للأعلى وحركات يمين شمال وراء أمام تصل للجامعة نشيطاً تماماً، إلا إذا اعترضك مفتشو البطاقات الورقية التي تزيد الأرض بهاءً ونظافة يرتفع الأدرنيالين كأنك تطرد من الامتحان، ولا تعرف السبب.
فيبدأ السائق المبتسم بالعبوس شاعراً بالذنب لعدم امتلاك بطاقة وكأنه أعطاك واحدة!
لكن إن كنت مجتهداً ورافقك الحظ بسيارة صفراء مع رأس ينظر إليك من النافذة اليمنى للسيارة وتشعر أنك في أوروبا، سرعان ما تكتشف أن السائق يحاول لفت انتباهك (بحركة التواء الرقبة) وتصعد متأففاً لكن تأففك يتلاشى أمام آهات صديقك السائق الذي ينوّع الحكايا والحزازير لتصل الجامعة ودماغك تنشط تماماً فيكون يومك ممتعاً مع نقص ملحوظ في الجيب فصعودك مع الصفراء وجلسة تنشيط الذاكرة لها ضريبة رفاهية تعكر صفو جيبك أقصد يومك.
صديقي لا أتكلم نفوراً ولا شكوى فعلاً إنها رحلة شيقة ثابتة في كل حين ولن أعمّم فالبعض يحاول التشبه بالغرب، وليته بقي شرقياً.
بالكاد ينتهي يومك الرائع وتضع رأسك على الوسادة لتذكر أنك جزء من هذا الواقع وعليك الاستسلام لرحلة طويلة فيكون حلمك المشتت خليط أخبار اليوم.
وتجد أنّ محمّد صلاح في حرب البسوس كلّم كُليب الشرطي للقبض على نانسي لأنها صعدت الحافلة التي يقودها رونالدو دون بطاقة.

رضا الهادي حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار