ليت الإنسان كالشجر

العدد 9541
الاثنين 2 آذار 2020

 

لا تسألني إلى أين أنا ذاهب أو بما أفكر، فالطريق موحلة والذهن مغلق والفكر في ضياع، وكأن الأفلاك والكواكب خرجت من دارتها، وما هذا إلا بسبب تغير مفاهيم وأحاسيس الإنسان الذي سلك طرقاً معاكسة فلا الأهل أهل والقرابة انحسرت بسبب الطمع والحسد والأنانية، هذه الآفات التهمت قلوب وعقول الناس وبدلت في معايير الحياة فغدا التقارب مبني على المصلحة، فيما مضى كان الأهل أمناء على السر فيما بينهم ويستعين أحدهم بالآخر ويفخرون بالصلة التي تجمعهم، لكن السرّ فيما بينهم غدا مباحاً والاستعانة ذلٌ ومهانة ويتنكر أحدهم للآخر، فهم تخلوا عن صلة الدم ورابطة القرابة ويسبحون في فلك عالم مسحور لا يخضع إلا لجاذبية المصالح الشخصية، لقد ماتت العواطف التي كانت تلتهب كالزائدة إن الكلمة لتبكي بكاء لا يرى وأنين الأحرف لا يسمعه إلا القلب، فالأهل لم يعد يجمعهم إلا رقم الخانة، فحالهم كمن يملأ الكأس ليستفيض لا ليمتلئ وليرسله لا ليمسكه فلو أنهم صبوا منه ملأ بحراً بأمواجه لجرى البحر على حافة قدح صغير، لقد نفروا عن بعضهم كطير ينفض ندى جناحيه عند طلوع الشمس ويرتفع مهاجراً بعد أن حفر حفرة كقبر لا ينتسى، لتنبت عليه أعشاب وأشواك وتهب رياح الذكريات والأسف لا الحسرة، لقد غدا الأهل كمن يمسك الماء بيده.

عندما يكتب القلم عن هذه الحالة يصاب القلب بالغثيان، فنحن في زمن لا ينتظر أحدنا الآخر، وكأن البشر لا يعلمون إن أعلاهم وأسفلهم صاعدون إلى الأعلى فالحياة تنتهي بالحزن، والنفس تنتشر عليها صفات متعارضة بتحرك الدم حباً وبغضاً رغبة ورهبة عطفاً وغلظ وربما إهمال وازدراء، فالإنسان بحاجة للآخر كحاجته للطعام لأنه كتلة من العواطف والمشاعر واجتماعياً بالفطرة، فإن تُركت المادة للمادة يتحطم البغض والغيظ فيهما وتشرق شمس المحبة ويشعر كل شخص نحو الآخر بالوفاء، ويحدث التقارب والنقاء يبدو على الوجوه، والنفس تتخلص من الرواسب العالقة ويكون الجو رحباً فسّر الحياة بالمحبة، الخلل بالعلاقات العامة يبدأ عندما نضمر شيئاً ونبوح بغيره فلنكتب أحرف حياتنا كما تكتبها الشجر بحب وتفانٍ وبوحي من خالقها، فهي تورق لتكون خضراء جميلة المنظر وليفيا الإنسان بظلها وتزهر لتنشر الرائحة العطرة ولتبهر ناظرها، وتثمر لفائدة زراعها ولتغذي الإنسان وعند موتها تنشر الدفء، ففوائدها كثيرة ولا تتفكر لتربيتها بنكران الجميل والعقوق والكيد، ففعل الخير عندها كالمارد الجبار وعند الإنسان أصبح قزماً ونكرة.

نديم طالب ديب

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار