حكايــــــــــات نساء.. وأزمـة منتصف العمر!

العدد 9536
الإثنين 24 شباط 2020

 

امرأة تتخلى فجأة عن وقارها وتتصرف بخفة غير معتادة كأنها عادت عبر الزمن إلى أيام الصبا، تغير عاداتها واهتماماتها في الملبس والموسيقا والممارسات الأخرى، تفاجئ من يعرفونها بشخصية جديدة وتسريحة شعر شبابية ونوع مختلف من المكياج وألوان خاصة للملابس والأدوات الخاصة.

هذه المرأة تهوى الخروج من البيت أكثر من ذي قبل وتسعى لتغيير الكثير من الأشياء من حولها وتبدو كأنها تريد التشبث بالشباب عبر تفحص أكبر قدر من الحيوية والنشاط هذه هي المرأة التي تعاني المراهقة المتأخرة أو كما يشار إليها (أزمة منتصف العمر).
على أحد المواقع الالكترونية نُشرت حكايات لنساء انفجرت لديهن عوامل منتصف العمر على نحو لفت أنظار الناس من حولهن.
إحدى السيدات مثلاً تبلغ من العمر خمسين عاماً وهي صاحبة وظيفة محترمة ذهبت ذات يوم لتحضر زفاف إحدى بنات العائلة جلست في مقعد بوقارها المعهود وكانت تشاهد الصبايا الأصغر سناً وهن ويتراقصن كالفراشات في باحة الحفل، وفجأة شعرت برغبة قوية في أن تشارك المراهقات رقصاتهن الرشيقة وعبثاً حاولت مقاومة تلك الرغبة فوجدت نفسها مندفعة نحو مكان الرقص، وأخذت تفرغ ما في جوفها من احتقانات على شكل رقصات بديعة ولكنها انفعالية، وفجأة انهمرت الدموع بكثافة من عينيها إلى غير رحمة تتذكر السيدة تلك الواقعة فتشعر بخجل شديد وتتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعها وخصوصاً إذا ما فكرت في الانطباع الذي تشكل لدى من شاهدوها في تلك اللحظة وهي الآن تميل إلى العزلة والاستغراق في أحلام اليقظة ربما لتعود معنوياً إلى تلك الأجواء التي رغبت في العودة إليها عندما راحت ترقص مع المراهقات، لكن هذا الندم لم يمنع الكثير من التغيرات التي طرأت على حياتها فقد أصبحت ألوانها من الأنواع الزاهية وباتت تستمع إلى الأغاني العاطفية والشبابية وصارت ترتدي الملابس التي تليق بفتاة في العشرين وتناقص اهتمامها ببيتها بشكل ملحوظ ما انعكس على بناتها الثلاث وعلى زوجها حيث أن قسطاً كبيراً من اهتمامها أخذ ينصب على ذاتها وهيبتها.
سيدة أخرى تروي جانباً أخر من ملابسات الشعور المفاجئ بتلك الأزمة النفسية التي تدعى (منتصف العمر) عاشت على مدى أكثر من خمس عشرة سنة مع زوجها واعتادت نمطه في الحياة وتأقلمت مع كسله إزاء البيت وحاجياته، وقالت عن زوجها أنه قلما يهتم بأسرته ولا يحاول تحسين وضعه الوظيفي أو دخله الشهري وهو متراخ وكسول ما يلبث أن يعود من عمله حتى يرتدي البيجامة ويجلس أمام التلفاز ويستمر في التدخين ومشاهدة البرامج إلى أن يحين موعد النوم، وحركته شبه الوحيدة في أثناء ذلك تقتصر على الذهاب من وقت لآخر إلى الثلاجة لالتقاط بعض المأكولات السريعة أو الذهاب إلى الحمام، وتقول عن نفسها إنها موظفة حكومية تعمل حتى الظهيرة وتعود إلى منزلها لاستئناف العمل الشاق لرعاية الأبناء والاعتناء بالبيت،
وتحرص على متابعة واجبات أبنائها المدرسية إصراراً منها على أن يحصلوا على أعلى العلامات وفي المساء تأخذ أطفالها إلى أحد النوادي ليمارسوا الرياضة كي يظلوا متفوقين في أنشطتهم كما في دروسهم، لكنها بدأت تشعر بالتذمر إزاء الوضع وصار ذلك التذمر يتراكم في نفسها ويتحول إلى استياء مخنوق حتى ذلك اليوم الذي أخذت فيه تشكو لصديقتها حالها والشيء الذي لفت نظرها ونظر صديقتها على السواء هو أنها تلفظت لأول مرة بعبارة أريد أن أعيش حياتي، لقد صدرت تلك العبارة من الأعماق وعبرت عن أطنان من الشكوى وأحاسيس الخذلان والتهميش والفرص الضائعة مع زوج كل ما يهمه أن يشبع حاجاته ورغباته هو فقط.
والحالة الثالثة التي يسلط الموقع على حكايتها هي لسيدة اكتشفت فجأة أن سنوات العمر تنزلق من بين يديها وهي تعيش مع زوج وصفته بأنه قاهر ومستبد ويتعمد الاستهزاء بآرائها ويقلل من قدرها ويحول دون تحقيق تطلعاتها، كانت جريئة للغاية في بلورة ما تريد إذ طلبت الطلاق وأصرت عليه وسط ذهول الزوج الذي لم يكن ليتوقع ذلك وبعدها حصلت على ما تريد انتقلت مع ابنتها إلى مكان جديد وافتتحت مصنعاً صغيراً للملابس الجاهزة وفتحت مشتلاً صغيراً للزهور وما هي إلا فترة من الزمن حتى صارت لها علاقات في السوق وارتباطات مع أناس من الجنسين وصارت تشعر بالطاقة المتفجرة في أعماقها والتي تدفعها للمزيد من النشاط والحيوية كما لو أنها عادت عشر سنوات إلى الوراء وأكدت عن عزمها عدم الرجوع إلى الزواج لكي لا تفقد حريتها مرة ثانية.
من الملاحظ عبر استعراض تلك الحكايات الثلاث أن أزمة منتصف العمر تتجسد في أشكال عديدة وتتنوع بتنوع الهواجس والمخاوف التي تهيمن على المرأة فيها وعلى العموم فإن المشترك في تلك الأزمة هو أنها تصيب المرأة في منتصف العمر وهو الهروب من الواقع وعبارة عن صحوة على واقع لم يكن محسوباً حسابه من قبل المرأة في العشرينات لا يخطر ببالها التفكير في خريف العمر حياتها في تلك الفترة تتسم بالتفاؤل والأمل والانطلاق وهي لا تقطف من أحلام المستقبل إلا أجمل الورود وفي الثلاثينات تكون أسيرة للحاضر بتعقيداته وإخفاقاته وإنجازاته، الأولاد ومشكلاتهم، كل ذلك يشد المرأة من أحلامها إلى أرض الواقع ولا يدع لها الكثير من الوقت للتفكير في الغد.
وعندما تعبر المرأة حاجز الأربعين تجد نفسها أمام مرحلة مغايرة من الأسى على ما فات من زهرة الشباب والخوف من المجهول الذي ينتظر متربصاً في عالم الشيخوخة والتي ترفض المرأة الدخول في عالمه، والخطورة في هذا الوضع تكمن في هشاشة المرأة تجاه أي كلمة وتفقدها توازنها ولمواجهة تعقيدات منتصف العمر لابد من الانتباه المبكر والتسلح بالوعي لما يحل بالمرأة من هواجس.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار