على الجديــــد.. عيــــون بترقب وانتظــــار

العدد 9536
الإثنين 24 شباط 2020

 

ليس جميعنا على حد سواء في حالاتنا جميعها (الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية و..) حتى أنها تنالنا بأصابع اتهام من أطفالنا خاصة عندما يتعلق الأمر بشراء أثواب جديدة وقصد السوق، وقد تتلاقى الأطراف ونجتمع بمحل أو دكان عند بائع واحد، وقد نمسك بقطعة لباس واحدة ويشدها كل منا لطرفه لنزداد بؤساً وشقاء، لكن الأذواق تختلف بأثواب وأبدان والفروق تتضح بألوف الليرات، والألوان تتطاير عليها بموديل وأفراح، فهل نتساوى بقوة الشراء؟
في البيت أطفال يلعبون وبعيون ترقب وانتظار يتسمرون خلف الباب في أول يوم من كل شهر فهو لهم عيد، بعد أن أوصونا بثوب جديد، لم يلبسه أحد من قبل، فقد عاثوا سقماً وسئموا من لباس البالة على أنه جديد واشتكوا بصوت عال يكاد يسمعه الطرشان (بدي لباس جديد وحذاء مثله أيضاً (كل شي عم تجيبيه يا ماما قديم ورفاقي يعيبون عليّ ويضحكون ويقولون لي بأنها بالة وليست جديدة).

* ام علي: الأسواق تعجّ بمحلات الوطني والجديد، لكن ليس بمقدورك أن تشتري شيئاً منها، فهي بأسعار تحرق ما في الجيوب من أوراق المال بفئة الآلاف، وقد تأكل نارها الراتب كله، كما أنها لا تتمتع بالجودة، وتهترئ بعد شهر أو اثنين لتبدو كأنها من القرن الماضي بعد غسيلها مرة أو اثنتين، حتى الحذاء يفك رباطه ولصاقه ليمدّ لسانه وقد أرهقه الجري واللعب وكل شهر طفلي يحتاج لحذاء لا أعلم لماذا، هل يغرق (بوطه) في برك مياه المطر أم أن الحذاء فيه علة ولم ألحظها يوم شرائه أم أن قدمه لا ينفع لها غير حذاء من الحديد؟ لقد أفلست معه وزاد حسابي عند بائع الأحذية جاري، لكني هذا الشهر اشتريت له من البالة حذاء (جديداً) وقد عارضني وامتنع عن لبسه إلى هذا الأسبوع حيث أجبرته عليه، فالطقس بارد وحذاؤه يحتاج للصق أو درز، ومر الأسبوع بأمان ولم يتغير الحذاء أو يشكو تمزقاً أو انحلالاً أي أن هذا الشهر يمكن أن أشتري لأخته حذاء أو جاكيت، فليس بمقدوري أن أشتري لهما معاً في شهر واحد، وإن فعلت كان ذلك بالدين.
* مدين، شاب جامعي ولباسه جديد وأنيق أشار بأنه لا يشتري غير من سوق العبارات، حيث الثياب فيها بماركات أجنبية، وقال: أشتري مرة واحدة فقط في السنة أو اثنتين بالأصح، (لباس شتوي وآخر صيفي)، وقد أدفع أكثر من مئة ألف في كل منها، لكنها تبقى طوال الوقت تلمع بأزرارها وقماشها، ووالدتي تعطيني المال فهي موظفة وقامت بالاشتراك مع رفيقاتها مثل كل عام بجمعية، لكنها تشي ببعض ما في خلدها كل مرة، تبين أن ضائقة مادية ابتلتنا فهل لي بثياب جديدة من البالة وفيها ماركات، فأضحك وأقول: كيف هي جديدة وهي من البالة؟ لا أريد غير من المحلات والأجنبية أيضاً فهي لا تبلى وتبقى لسنواتكما أنها (شيك).
* ريم رفيقته في الجامعة ترفض ما جاء عليه وتقول: توجد في البالة ألبسة لم يرتديها أو يقتنيها أحد مسبقاً تدعى (سوبر كريم) وأسعارها مقبولة لما جاء عليه السوق وأفضل مما يظنه رفيقي مدين، كما أنها تحمل اسم ماركة عالمية براقة أظهرها على مرأى الجميع، و ليس لها مثيل أو أخت في السوق كله، وليس مثل السوق ومحلات الجديد الوطني الذي من الكنزة الواحدة دزينة بألوان مختلفة لكن الموديل والتصميم واحد، لهذا أتفرد بكل قطعة ألبسها، وهي بماركة عالمية أنقب عليها في كومة ثياب، لكن الأمر يستحق كل هذا التعب.
أكثر الفتيات اللواتي يقصدن محلات الجديد هن (بتيب) واحد وقد تجدينهن يلبسن البلوزة نفسها لا يتغير بينهن غير اللون وقد تخطئين بينهن، فتصوري الأمر، كما أن معظم القماش الذي تصنع منه الملبوسات وتعدد خياراتها ينسل بين خيوطها خيوطاً من النايلون التي تبعث على الحكة والتحسس وسعرها ليس بقليل ولا أنقص أو أنتقص من قيمة المنتج الوطني، ففي الوقت ذاته يكون المنتج الأجنبي بسعر يفوق قدراتنا الشرائية كما بعضاً منه فيه الغش فقد يضعون بطاقة تحمل اسم بلد المنتج و بعضها من البالة نخب (سوبر كريم) غسلها صاحب المحل وسواها بأحسن حالها ليعرضها بين الجديد حتى أنك لا تميزها وقد تعطرت بعبير الماركات الأجنبية، لهذا أحاول أن أشتري قطعة لباس رأيتها في السوق وأعجبتني وشغلت تفكيري إلى أن وفرت لها الثمن، وقصدت المحل لأجلبها ولا يهم إن كانت من البالة أو جديدة، منتج وطني أو أجنبي، المهم أعجبتني وكفى!
صحيح أن طفلتي تتفنن بصراخها وتبكي بكاء يظنه الجيران بأنه ناتج عن ضرب وألم، وهو ليس غير أني عائدة من شغلي وأحمل لها ثوباً من البالة .فتغضب وتصرخ وتستجدي (بالرايح والجاي) أريد فستاناً جديداً من المحل كما كل صديقاتي، فهي اليوم لم تعد تراه جديداً بعد أن وصمتها به إحداهن، واستخدمت معها كل الطرق والأساليب بأنه أفضل مما في السوق ويعمر طويلاً وليس له مثيل كما أن سعره ليس بقليل.
نحن الموظفين نجد ما يستر أفراد عائلاتنا في البالات وهي أخف وطأة على رواتبنا، والأطفال ينمون بسرعة وتتغير مقاساتهم لهذا يحتاجون للباس جديد كل شهر أو حتى أقل بقليل ولا أبالغ بأمرهم، ولا يكون لنا ملجأ غير البالة، واليوم ويكفيه أن أحضر له لباساً يقيه قر هذه الأيام وليس بها جديد.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار