قلوب يومض نجمها في فضـاء النت!

العدد: 9529
الخميس 13-2-2020

 

دروب تلاشت نعالها من خطوات حبيب هام على وجهه بين الأزقة والأبنية والمدرسة حاملاً قلباً للحبيب، يترصد قدومه ليرمي بورقة صغيرة ملونة بعطر أحاسيسه ودقات قلبه التي ترتجف الأصابع منها لتطيرها من بعيد، لم تخطئ دواوين الشعراء في وصف العشاق بجنون حبهم لتكون أسطورة عن فتى أضناه العشق ليسقط عن صهوة العقل فكان مجنون ليلى وبثينة وقمر وميس وغنى و.. اليوم نعيش وقع النت والتواصل السريع ليكون سهم الحب أسرع من خفقة هدب العين فيصل القلب حتى لو كان صاحبه في المريخ أو على أي نجم بعيد يأكل الهمبرغر والهوت دوغ ويشرب الهات شوكلت والشامبانيا على شاطئ النخيل، وكأنه يتذوق عذاب الحب (الأمر والأحلى) على إيقاع صيحة (خلي الواوا يصح).
في أيامنا هذه يسهل أن تجد كل صور التعارف البريء عند فتى ضيقه الملل والضجر من الأصدقاء والكتب الدراسية وأوامر الآباء لينجر وراءها، وفتاة تجد متعة في تقمص عشرات الشخصيات والأسماء واستخدام عناوين بريدية كل حين بحثاً في عوالم أخرى بعيدة أو مقربة والعكس أيضاً صحيح، فلا يستطيع أي منهما الانفلات أو التحرر من استعمارية الكترونية ليجلس لساعات طوال أمام شاشته ويدخل (غرف الدرددشة) ليرى العشرات يومضن له بلايكاتهن بعد أن سمحن لأنفسهم ولوج غرفته والعبث بأشيائه وأفكاره وحتى عواطفه وأحاسيسه ليقضين بعض الوقت برفقته، وقد يكون بينهم الحبيب ..
جعفر، طالب جامعي قال: نحن أبناء هذا الجيل متهمون بالسطحية ولا نعرف الحب، لكنه اتهام خاطئ وموجع فلا يستطيع أي إنسان أن يعيش دون جرعة حب تفتح له أوجه الحياة، لكن أين يكون لنا ذلك ؟ فمن الغباء أن نعيش الأوهام مع حب غرفنا أشواقه من بحر النت ومواقع التواصل الاجتماعي، قد تنبهر لصفات فتاة تجذبك إليها وتضيف عليك صورها التي تشرح فيها كل أحوالها وأشكالها، لتقع في شراكها دون أدنى تفكير، ويرفرف لها القلب وتقول: وجدتها، هذا هو الحب الحقيقي الذي أبحث عنه، وبعد تبادلها المشاعر والأشواق وتطلب رؤيتها ليكون الحلم حقيقة، سرعان ما تلبي الدعوة وتندفع لملاقاتها على فنجان قهوة على الكورنيش تترقب وصولها وتبحث عيناك عنها بينهن على مقاعد الانتظار، لتقترب منك فتاة لم تلمحها من قبل ليست تلك التي أغمضت عيناك على صورتها، وحفظتها بكل خطوطها عن ظهر قلب، قد ارتجف ووقع منك بين قدميها فتتركه وتجري للخلف وقد سدت منافذ الكلام في جوفك ولا تعرف طريق عودتك تتخبط صورك وتتعثر أفكارك التي تحاول جمعها في عبارة بحثت عنها طويلاً في مفكرتك لتقول: اعذريني فقد أخطأت.
السيد هادي أشار إلى أن الحب الحقيقي الذي لنا أن نعيشه ونستمتع به هو الحب الأول ومن أول نظرة، وأي إحساس بعده وهم وسعي وراء بقايا الحب الأول، فقال: أحس بنبض قلبه لأول مرة حين كان مراهقاً وقد جاءت لمدرسته فتاة جديدة وكانت بجدائلها الشقراء ووجهها البشوش تطير بقلب مرهف فيطير طيري وراءها، ولكن المأساة في الحب الأول أنه غالباً ما ينتهي بالفشل ولا يتطور إلى علاقة زواج رغم كل الصدق بين الطرفين، وكان لا بد من اللوعة والحرمان الذي يشعل القلوب، هذا هو الحب قيمة لا يعرفها غير العاشق، وبعده كنت وحيداً أبحث في وجه كل امرأة عن ملامح تتشابه مع حبي الأول، ولجأت للنت والفيسبوك لأشغل فراغي وأبعد قلبي عن وجعه ووجدت علاقات لا تعد ولا تحصى من كل حدب وصوب، لكن القلب مال لإحداهن في حمص، وتواعدنا ورأيتها وزرتها في بيت أهلها ووجدت بعض ما أطمع فيه من صدق وراحة نفسية، مع أني كنت خائفاً من خوض التجربة، خاصة أني رأيت بعيني كما سمعت من تجارب الآخرين عن فتيات النت وليس فيه تعميم وهي القادرة على كسر عنقك وهي تبتسم في وجهك، وتطعنك في ظهرك وهي تحتضنك في غرف الدردشة، لكن الدنيا ما خليت ولو خليت خربت.
السيدة نهى، مدرّسة، قالت: اكتشفت صدفة أن ابنتي على علاقة مع شاب من العراق يتواصل معها على النت ويعدها بالزواج ويغمرها بالكلام المعسول ليغسل بها قلبها الطيب البريء، فكانت تبتعد عني وعن إخوتها لتنزوي في غرفتها لساعات طوال، وفي أحد الأيام جاءت من المدرسة قبل الأوان وعيونها متورمة من البكاء، ودخلت الغرفة وأوصدت بابها بالمفتاح، فركضت خلفها وقرعت بابها لتفتح فعاندت واستجرتها وصرخت فيها ماذا فعلت في المدرسة لتأتي باكراً وباكية، هل عنفتك المعلمة أو المديرة ؟ فقالت ليس من هذا شيء، عندها أفرغت ما في صدري وقلت: هل اشتقت للحبيب، فأصابها الصمت قلت لها أن تخرج لنتحدث أو أن ليس لها مدرسة بعد اليوم، فرضخت للأمر وفتحت الباب وبكت في حضني لتشكو ما في أمرها بعد وعدي أن ألزم الهدوء، فقد اكتشفت أنه كان يحادث رفيقتها بنفس الكلام، وهو قد جاء إليها منذ شهر وخرج من حياتها بسرعة كما جاء، ولم يعد يحادثها، وكانت ابنتي الضحية التالية التي نجت صدفة من أكاذيبه.
أنصح جميع الأمهات أن ينتبهن على بناتهن الصغيرات وهن في سن المراهقة، فوجود الموبايلات والماسنجر بين أيديهن شيء خطر يوجب الحيطة والمراقبة، فلا نعرض بناتنا لتجارب عاطفية فاشلة يكون لها أثر كبير على شخصياتهن وانعدام ثقتهن بالجنس الآخر.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار