حـــــبّ ودبّ. . وراء أبــــواب موصـــــدة

العدد: 9528

الأربعاء: 12 شباط 2020

 

لا يمكن أن أنسى ذاك اليوم الذي جاء فيه ابن الجيران ،وقد اشترى هدية لخطيبته ب70ألف ليرة مغلفة بالسلوفان الأحمر وقد تشققت يداه من كثرة العمل بتلييس البناء، وأريق ماؤها الذي أراه قد صبغ الهدية ،وليس سلوفاناً مستعاراً يكسي وجوه أغلبهم، وفتياتهم لا يعذرن فالنتينو في هذا اليوم، ولو اشتدت نار محرقة المعيشة وتبركنت الأسعار، فالعيد هو عيد الحب الذي أسرهم وقّيد قلوبهم بأغلال، لتدقّ الرواتب وما جمع في الحصالات لأجل من سكن عيون فالنتاين وترّبع على عرش قلبه.

استغرب أمر الدب واندهش وأنا أترقبه يزدحم به زجاج واجهات محلات الهدايا والزينة، فهل الدب دليل محبّ إلى القلب؟ الحجم الكبير يكون على قدره الثمن؟ واليوم وصل سعر الدب الأحمر الكبير لأكثر من 100ألف ليرة والصغير 50ألفاً فقط، أما الوردة الحمراء التي هي بمئتي ليرة في غير أيام تصل يوم عيد الحب لأكثر من ألف ليرة ليكن ذلك في الحسبان، هذا إن وجدتها سيد فالنتين.. ويجب عليك أن تجوب أصقاع البلاد لتأتي بها وإلا..
ونحن على أبواب عيد الحب, أتذكر حكاية هامت في روحي ونبضي طويلاً, لتملأ أقطاري, وتشغل فراغ قلبي ..
كنت صغيرة, ورأيتها ببرامج الأطفال على التلفاز. وشذاها ينثر قصة عاشقين فقيرين, يتلاقيان يومياً بين جنبات الحدائق والأزهار, شاب وسيم يعشق فتاته الجميلة, ويتغنى بشعرها الساحر الطويل, و لا يملك إلا قلادة ورثها عن والده, يأتي عيد الحب, الذي يلفح فضاء الكون بوجنتيه الحمراوين, وهما لا يملكان شيئاً, لشراء هدية عيدهما, إذ لا مال ولا جاه, غير أنه الحبّ بسلطانه وملكوته الذي يسخر له كل شيء حتى بصيص الحياة, فكان أن باع الشاب قلادته الغالية على قلبه, ليحضر دبوساً فضياً لشعرها الجميل, وهي كانت قد قصته وباعته, واشترت لحبيبها سلسلة لقلادته ..
كم هو جميل هذا الحب ؟ إنه الأكثر عمقاً, والأكثر غموضاً من أسرار هذا الكون العجيب ..
قصص كثيرة خربشتها الأيام, على صفحات ذاكرة بيضاء, ولطالما حلمت أن أدخل غياهب كهوف هذا الحب, وأراه السحر الذي يعقد طرفي, بطرف نجم هارب من جوف الليل, وكم أغمضت عيناي لألج بوابات هذه القصص, وأذوب بين صفحاتها وخوابيها, كما يذوب السكر في فنجان قهوة الصباح, حيث يتوهج فانوساً في الروح, فأجلس على مقاعد الانتظار, وتطول الساعات, وتتنازعها الأيام, لتنسل بين أصابع السنوات, فأجد كل ما عهدته في نفسي قد تغير، ولا ألقى غير أماكن موحشة فيهيج الوجد ويشتد الألم.
ما همت مرة في أودية الآمال والأحلام, إلا احتوش علي هذا الخاطر, ولا أستطيع له دفعاً, ولم يبق من عهد السرور غير بصيص خافت, (كما هي كهرباء اليوم ) يلمع في جوانب نفسي من حين لآخر, وسرعان ما يخبو فيترك القلب ظلاماً وبؤساً .. لأخرج من دفتي هذه القصص بغصة .
يبدو أني غصت كثيراً في القصص والحكايات, لكني اليوم قد وعدت نفسي أن لا أغوص في الأعماق والأحلام, فتكون خاتمتها حزينة كلاسيكية كما في الأفلام والمسلسلات, ولأهمس أو أشكو بعالي الصوت, بما سمعته من رفيقاتي وبنات الجيران, وهو ما نزعني من أحضان الكرى في غرة هذا الصباح ..
وهو أن شبابنا اليوم, وما إن يقترب عيد الحب, قاب قوسين أو أكثر, حتى يتسببوا ويحيكوا مشكلة عويصة ليس لها من مسببات, ويجعلون من الحبة قبة, يكون فيها الفراق والبعاد, لحين فلول هذا اليوم العصيب في جيوبهم, التي تميد بصحراء تشكو الشح والقلة في الغلة, وعيونهم تشخص وتتسمر وتحمر بلهيب الأسعار, عندها لا يطيقون حبساً لزفراتهم, ولا كفاً لعبراتهم, ويجيرون على المقدور, أنه يدخر لهم في بطون الغيب والفلك, ما شاء من محن وأرزاء, فليرزقهم الله ويرزقنا الجلد, ويلهمنا جميعاً الصبر, ولنقول لفتياتنا في هذا اليوم الجميل : ارحمن من في الأرض, يرحمكن من في السماء, واعذرن فالنتينو ذلته هذه الأيام, وكل يوم هو للأحبة والعشاق عيد جديد، العيد قادم فلا تدعيه وراء أبواب موصدة بدب ّ..

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار