جدلية العـــلاقة بين اللغــة والفكر والإبداع في محاضــــرة د. وضـــحى يـــونس

العـــــدد 9525

الأحــــــد 9 شــــــباط 2020

 

ألقت الدكتورة وضحى يونس محاضرة في دار الأسد للثقافة، تناولت فيها العديد من الجوانب المهمة بتفصيل لقيمة اللغة العربية ومشاكلها، كما تناولت بعض الجوانب الهامة في معالجة هياكل اللغة مستعرضة آراء علماء اللغة والنظريات العالمية فيما يخص ذلك، قالت في البداية: (اللغة والإنسان توءمان ولغة الإنسان هي ذاتُه متحولة ًإلى تعبير، وهي مقاومته، وسلاحه، اللغة هي حاملة الكون بأسره، وهي الوجود، وهي الناس، وهي الطبيعة، وهي الإحساس، فليس غريباً أن تكونَ اللغة هي المنطلق والطريق والغاية، واللغة قديمة قدم الوعي إنها نبض الحضارة البشرية، الكلمة التي هي المادة الخام للغة، وهي وسيلة الخلق، وهي فعل الخلق، ولأنّ الإنسان كائن لغويٌّ، فاللغة كائن حيّ منتمٍ لكنّه ينقد انتماءَه فيتحرّر، وحين يتحرّر يصبح أداةً للتغيير..

السؤال هو: كيف يمارس العرب اليوم اللغة؟ وهو سؤالٌ برسم البحث عن الإجابة وهذا السؤال الأم يتناسل أسئلةً كثيرة: لماذا ما زالت اللغة العربية تتحدث عن الماضي أضعاف ما تتحدث عن المستقبل حتى وُصِف العرب بأنهم ظاهرة صوتية؟ ولماذا لم يبرؤوا من الأمراض التي شخّصها لهم جدّهم الجاحظ وهي اللغو، واللكنة، والحبسة، و غير ذلك من جدل وسفسطة؟ من يعرف العرب اليوم أو يتعرّف عليهم بعد أن عرفهم في الماضي الخيل و الليل، و البيداء ،و الرمح ،و القرطاس، والقلم ؟ و ماذا للعرب اليوم هل لهم الصدر دون العالمين أم لهم القبر ؟ماذا أدّت و تؤدّي و ستؤدي السياسات العربية من حقوقٍ للغة العربية، والناطقين بها؟
وتابعت د. يونس (في العلاقة بين اللغة والفكر تتولد أسئلة كثيرة يقودها سؤال كبير: أيهما ينجم عن الآخر هل الفكرُ ينجم عن اللغةِ، أم اللغةُ تنجم عن الفكر، أم أنهما في الحقيقة شيءٌ واحدٌ لأنّ التفكيرَ حديثٌ داخليّ دون صوت، واللغةُ حديثٌ خارجيّ ذو صوت؟ الفكر من فكّر، أي أعملَ عقلَه، ومارس نشاطاً ذهنياً، وتأمّل بحثاً عن حقيقةٍ ما، وللفكر الجمع المذكّر مفرداتٌ مؤنثة هي الأفكار، ولعلّ هذه إشارة تسعفنا بها اللغة بأنّ التفكير ليس حكراً على الذكورة المفضية إلى رجولة فقد تجيده الأنوثة المفضية إلى نساء شهد لهنّ التاريخ الأمر الذي يقتضي الإشارة إلى ما يُنتظر من المرأة من وظيفة إنتاج لغوي تسهم في صنع الحضارة الإنسانية دحضاً للنسق المفهوميّ القائل بتفوّقٍ التفكير الذكوري على التفكير الأنثوي، والأفكار بدورها لها بنات، وهي على ما يفيدنا المعجم الخواطر، و بناء على ما يفيدنا التحليل النفسي فهناك قراءة الأفكار هي معرفة أفكار الغير، أما المدرسة الفكرية فينتمي اليها مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والكتاب فهي نموذج، ولكنّ النموذج قيدٌ للإبداع، فالإبداع هو اللانموذج، حيث يكسر المبدع القيدَ، ويخرج من انتمائه ليرسمَ طريقاً لنفسه، اللغة صورة الفكر، والعلم يقول بالعلاقة بين العقل كمصدر للفكر، واللغة التي هي بنية عقلية لذلك فسِمةُ اللغة الحيّة النمّو، و أن الشغل الشاغل للدرس اللغوي المعاصر هو التساوق بين التفكير والتعبير، يؤكّد رولان بارت أنه (لا يمكن أن يتكلم الإنسان دون أن يفكّر بكلامه) و هذا قول يشي بتلازم عمليتي التفكير والكلام، ويصرّح بارت في موقع آخر ( اللغة هي التي تتكلم و ليس المؤلف)و هذا كلام يتقاطع مع قوله: (إنّ اللغة هي التي تعلّم تعريف الإنسان وليس العكس) وأكثر من ذلك فإن الفكر يُكون الثقافة الحقيقية وهي إعادة الخلق لذلك فإن اللغة تحيا مع الأسئلة وتموت مع الأجوبة، وكلما كانت الأسئلة كبيرة وإشكاليّةً ارتقت اللغة، وتوهجت، وسمتْ، وأضاءت.
أما فيما يخص الإبداع وعلاقته باللغة، فقد أوضحت د. وضحى هذه العلاقة قائلةً: ثمّة علاقة بين اللغة و الإبداع، فالإبداع المعرفي بشقيّه العلمي، والأدبي يحتاج إلى لغة للبحث والتعبير، وهكذا فاللغة، والإبداع يشتركان في وظيفة هي حفظ الانتماء الثقافي، والحضاري، والأدبي، ولا حضور للإبداع ما لم تسبقه معرفة باللغة، ونظمِها، وقواعدها، فاللغة تبدع لأنّها تعمل كأداة من أدوات الفكر، ونتاجٍ من نتاجات الثقافة، واللغة أداة للإبداع، فاللغة سلاح ساكن تُحرّكه السياسة، فالعلم هو الشرط الدائم والجوهري يقول الدكتور صلاح يونس: تحت عنوان ( حيوية الإبداع و حيوية اللغة ): قبل أن تبدأ النّخب في أيّة أمة مشروعها في العلم لا بدّ من أن تتحقق من تقبّل المجتمع لمناخ العلم فالمجتمع الغائب عن حضوره العصريّ لا يساعد الأفراد مهما كانوا على الإبداع) وإنّ من شروط الإبداع تطوير الأداء الفكري، ورفع درجة دقته ونضجه عن طريق الحفاظ على صفاء الذهن والنفس وتوسيع الفضاء الفكري، فالتفكير الإبداعي هو الوجه الآخر للتفكير النقدي وهما وجهان متداخلان ومتكاملان.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار