فيء السـّعادة

العدد: 9513

الاربعاء:22-1-2020

 

إنّ الوحدة البشريّة التي نلمسها في كلّ تفصيل ونعيشها مع مطلع كلّ شمس ومغربها، هذه الوحدة إنّما تدعونا إلى نبذ الصّراع أو التّصارع، فجميعنا مؤمنٌ بأنّه جزء ولا أحد من الذين امتلكوا الحقيقة إلاّ ويقول: إنّ الحياة تكتمل بالفرد وتتكامل لتصبح الجماعة هي الحقيقة، تلك الجماعة التي لا تتكوّن ولن تكون إلاّ من خلال الفرد المؤمن بحقيقة المجتمع وتكوينه.
إنّ تعدّد الأفراد والشّعوب والأمم لا يُلغي الوحدة البشريّة ولا يمكن إلاّ أن يكون الحقيقة المطلقة لمعنى الحياة ومعنى الوحدة الإنسانيّة والمكوّن البشريّ الإنسانيّ، وهذا التّعدّد إنّما يترجم الحقيقة الكبرى القائمة على أنْ لا فرق بين فرد وآخر إلاّ بمقدار ما يقدّمه للبشريّة من فائدة وقيمة عليا.
وإذ ننظر بالعين الرّائية إلى ما حولنا نجد أنّ الجميع على اختلاف ثقافاتهم ومشاربهم وعلى تنوّع وتعدّد أماكن تواجدهم وما إلى ما يمكن أنْ تكون الاختلافات بين الزّمان والمكان والانتماء والرّؤى والأفكار أو التوجّهات إنّما نرى الجميع يتّجه نحو السّماء بالأكفّ والألسنة للدّعاء وتمنّي الخير للجميع والطّلب من السّماء أن تظلّلنا بخيرها وأنْ تنشر محبّتها وتزرعها في قلوبنا.
نعم هي العبادة التي تتعدّد طرقها وسبلها وحتّى كلمات الدّعاء تختلف وتتنوّع وجميعها لها هدف واحد ألا وهو السّعي للوصول إلى الإنسان الإلهيّ الذي ينشر ثقافة الخير والمحبّة والسّلام، محبّة الإنسان ليس لأخيه الإنسان وحسبْ، بل محبّة كلّ موجودات الطّبيعة، والسّلام ليس سلام الحياة بين النّاس وعدم الحروب أو التّقاتل والتّهافت على مكاسب آنية آيلة إلى الزّوال، بل السّلام والطّمأنينة والسّكينة في داخل النّفس البشريّة الإنسانيّة.
نعم بالمحبّة والسّلام يقوى الإنسان ويصبح قادراً على مواجهة المستجدّات الطّارئة ومحاربة النّفس الأمّارة بالسّوء، بالمحبّة والسّلام يدرك الإنسان أنّ الإرث الموكل إليه من أسلافه الصّالحين إنّما يقوم على أنّ هناك مصادر عديدة ومتنوّعة للتعلّم الإلهيّ حيث العلاقة الوطيدة بين الإنسان وخالقه, بين الإنسان وأخيه الإنسان، وفي كلتا الحالتين إنّما تقوم العلاقة على المحبّة وعلى قيم الإنسان ومبادئه وهدفه في نشر ثقافة أنّ الإنسان مُخاطَب ومُخاطِب، مُرسَل إليه ومُرسِل في آنٍ واحدٍ، وكثيرة هي الكلمات التي يخاطب بها الخالق عبده، وكثيرة هي الأدعية التي يُناجي الإنسان ربّه بها، ومن هنا يجب تعميم ثقافة أنّ الله معنا ما دمنا نسير على طريق الخير ولن يكون الإنسان سويّاً ما لم يشعر بخطورة الشّرّ على نفسه أوّلاً والآخرين ثانياً وما لم يبتعد عن الإساءة العقليّة منها أو اللفظيّة، فكيف بها إنْ كانت إساءة فعليّة متعمّدة ؟!
هي الأيّام تحملنا ونحملها وتحمّلنا ونحمّلها الكثير من الآمال والتّطلّعات والكثير من الإخفاقات والفشل، ولكنْ ليعلم الجميع أنّ الحياة لن تكون إلاّ بنا وإلينا وعبرنا ولا نتمنى أن تكون علينا لأنّها لن تكون كذلك إلاّ إذا كنّا غير مدركين لمعناها الحقيقيّ ولأسباب التّنوّع والتّعدّد والاختلاف، لن تكون الحياة إلاّ ما أردنا ولن نريد إلاّ أن نرسم المستقبل ونزرع شجرة الأيّام المسقيّة بماء المحبّة والتي نرعاها بيد السّلام والطّمأنينة لتظلّلنا في قادمات الأيّام بفيء السّعادة.

نعيم علي ميّا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار