الموســـــيقى تجعـــــــل كـــــــــل ما نمسـّه صافـــــــياً ونقـــــــــــياً

العـــــدد 9512

الثــــــلاثاء 21 كانون الثاني 2020

 

 

بأناملهم الصغيرة يعزفون رسائل يتذوقها الكبير والصغير، تتنقل أصابعهم بخفة لترسم على وجوهنا الدهشة والإعجاب، في زمنٍ نسينا فيه كماليات الحياة تشق الموسيقى طريقها لتثبت أنها من أساسيات الوجود ولا حياة بدونها لأنها غذاء الروح وملجأ لمن يحتاجها هي من يجعل كل ما تلمسه صافياً ونقياً، فكيف إذا كانت من أطفال موهوبين، عن تعلم الموسيقا ومدى أهميته بالنسبة لأطفالنا كانت لقاءاتنا الآتية:

* الأستاذ إبراهيم حمود، مدرس موسيقى أكد أهمية تعليم الطفل للموسيقى، فالطفل عبارة عن روح وإذا أردنا مخاطبة الروح فعلينا بالموسيقى حيث يكون الطفل قادراً على الإصغاء منذ عمر ستة أشهر، كما نوّه إلى أن الموسيقى قد تكون علاجاً لبعض الأطفال الخجولين والمعزولين فبتعليمهم الموسيقى نكون قادرين على تخليصهم من هذه المشكلة وتنمية علاقاتهم الاجتماعية كأن يشاركون ببعض الحفلات أو أن ينتظرهم أصدقاؤهم أو أحد أفراد عائلتهم ليعزف لهم بعض المقطوعات، أيضاً لن ننسى أن الموسيقى قادرة على علاج أمراض نفسية عديدة كالعصبية وغيرها، لأن تعلم العزف يحتاج الهدوء وهذا يتوقف على الطفل وشخصيته بينما تقع تنمية المهارات على عاتق الأهل، أيضاً الطفل الموهوب يتعلم كل الصفات الحسنة من الموسيقى لأنها تهذب الروح ومن الممكن أن تكون سبباً لتحسن علاقته مع أخيه عندما يحاول أن يعلمه العزف.
* بأي عمر يمكن أن يتعلم الطفل الموسيقا؟
** ذكرنا أن الطفل يستطيع الإصغاء من عمر ستة أشهر وقد تظهر موهبته من عمر ثلاث إلى أربع سنوات وهنا يكون دور الأهل حيث يجب عليهم الاهتمام بالطفل والانتباه إلى حركاته واهتماماته وعدم اعتبارها شيئاً عارضاً، وأضاف: يمكن أن تكون البداية بتعليمه العزف على آلة الأورغ ولو بحركات عشوائية ثم تكبر هذه الموهبة معه ولكنها ستكون بحاجة إلى مراقبة من الأهل وكلما كان التعليم بعمر مبكر كان أفضل لأن الذهن في هذا العمر المبكر يكون صافياً وعلى استعداد لتلقي كافة المعلومات.
* إذاً ما دور الأهل هنا؟
** لاهتمام الأهل الدور الأهم لأنهم أول من يلاحظ موهبة الطفل وهم من يساعده في تنميتها أو حتى في تشجيع الطفل على الاستمرار بالعزف وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة نشر ثقافة شراء آلات موسيقية بدلاً من شراء الكثير من الألعاب كما أن اقتناء آلة موسيقية هو مقياس حضارة.
* بعض الأهالي يعلمون أطفالهم العزف لأنهم يريدون ذلك لا لوجود موهبة لديهم؟
** هي نسبة قليلة ولكن مع ذلك لن يكون هناك أثر سلبي على الطفل ولكن هنا تقع المسؤولية كلها على عاتق الأستاذ وأسلوبه، فبأسلوبه المميز سيكون قادراً على جعل الطفل يحب تعلم الموسيقى والعكس صحيح.
كلمة أخيرة: على الأهل ومهما كانت ثقافتهم الاهتمام بالموسيقى فهي مقياس حضارة الشعوب ويجب أن يكون الاستماع إلى الموسيقى عادة يمارسها الأهل في المنزل لأنها تبعث الهدوء والجمال والروح في المنزل.
وفي لقائنا مع الآنسة مادلين محمود حمادة مدرسة رياض أطفال قالت إن الموسيقى تنمي الناحية الوجدانية التي تؤدي إلى سلوك متوازن ونفس إيجابية كما أنها تساعد الطفل على محاكاة عقلية إيجابية في اختياراته وتبعده عن العنف والتوتر وتجعله شخصاً محباً للحياة والعلاقات الاجتماعية فمن خلال الموسيقى قد يكوّن علاقات وصداقات وما أحوجنا لنشر رساله الحب والنقاء والجمال بكل معانيها، كما يمكن الاستعانة بالموسيقى لعلاج ذوي الاحتياجات الخاصة، أخيراً دائما يلفت انتباهنا كل شخص يحمل آلة موسيقية ونعطيه الكثير من اهتمامنا.
* أيضاً التقينا بعض الأطفال ممن يتعلمون العزف فقال حسن غانم (الصف السابع): بدأت بتعلم العزف منذ سنة تقريباً وذلك باقتراح من والديّ بعد أن لاحظوا اهتمامي بالموسيقا وأنا حالياً سعيد جداً لتعلمي العزف فأنا أعزف في أوقات الفراغ.
وقال علي علي ( الصف الرابع): بدأت بتعلم الموسيقا عندما كان عمري خمس سنوات وتقول لي أمي أنني كنت أعزف منذ كنت صغيراّ جداً على لعبة الأورغ وكنت أحياناً أنقل أصابعي على الطاولة ولهذا السبب سجلتني لأتعلم الموسيقا وأنا اليوم أعزف على آلتي الأورغ والعود وأنا سعيد جداً لتعلمي الموسيقا فهناك بعض الأصدقاء ينتظرونني حتى أعزف لهم ، و عندما أعزف أشعر بالسعادة.
وتقول والدة علي بأن طفلها لديه موهبة بالفطرة فمنذ صغره وهو يحب الموسيقا ويطالب بألعاب تصدر أصواتاً كالأورغ الصغير وغيره و بعد أن بدأ التعلم كان تقدمه رائعاً، ولهذا حاولت أن أشجع أخيه ليتعلم وسجلته ليتعلم العزف على الأورغ ولكنه رفض ولم يتقدم أبداً وحاولنا أن نبدل الآلة وانتقلنا للعزف على العود و لكن لم ننجح وهذا يؤكد أن العزف موهبة ولا يمكننا إجبار أطفالنا على تعلمه.
ويقول السيد وائل: شجعت أطفالي على تعلم العزف لكنهم رفضوا ذلك، كنت أعزف أمامهم علّهم يتشجعون ويبادرون ولكن للأسف لم أستطع ذلك ربما لأنني تأخرت في تعليمهم ولو أني بدأت معهم بعمر مبكر ربما نجحت.
ولمعرفة رأي أهل الاختصاص التقينا الاخصائي التربوي مصطفى أبو شاهين وكان لنا الحوار الآتي:
* ما أهمية تعلم الطفل للموسيقى من الناحيتين النفسيّة والاجتماعية؟
** لقد خصص علم النفس فرعاً فيه للموسيقى، وهذا يمنحنا انطباعاً عن أهمية الموسيقى بالنسبة للنفس، وبالنسبة للطفل أو أي شخص لا تنحصر قيمة الموسيقى في تعلمه وأدائه لها فقط، بل أيضاً في استماعه لها، فعلم نفس الموسيقى يتناول كيفية إدراكنا للموسيقى وتأثيرها على أفكارنا ومشاعرنا ومن ثم على سلوكنا، حتى أن البحوث الأخيرة تتناول العلاج بالموسيقى، وأظهرت البحوث توظيف الموسيقى لجزأي الدماغ، وهذا يجعلها مؤثرة في جميع نواحي النمو (المعرفية والاجتماعية والانفعالية والجسمية…)، فهي تساهم في تعزيز دافعية الطفل للتعلم، وقدرة الطفل على أداء مستويات عليا من التفكير، ومن ثم يمكن أن تحسن أداءه لا في المدرسة فحسب، بل في مختلف نواحي الحياة، كما أن أداء الطفل للموسيقى بما تتضمنه من أوزان وإيقاعات محددة يمكن أن يحسن التناسق العصبي الحركي لدى الطفل، يضاف إلى ذلك أهمية الموسيقى للطفل من حيث مساعدتها له على التعبير عن أفكاره وانفعالاته، بما يمكن أن يعزز صحته النفسية، إلى جانب ما تتيحه الموسيقى من تنمية للحس الجمالي لدى الطفل، بمعنى تعزيز قدرته على إدراك الجمال وإنتاجه.
إن اشتراك الطفل في أنشطة موسيقية مع زملائه يمكن أن يعزز تقديره لذاته، ويرفع من كفاءته الاجتماعية، حتى لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بما قد ينمي قدرته على الاندماج الفعال في الجماعات ومجموعات العمل وتحقيق درجات عالية من التعاون.
* هل من الممكن أن تكون الموسيقى علاجاً لبعض المشاكل؟
** بالطبع، لقد أثبتت الموسيقى فعاليتها في علاج الكثير من المشكلات والاضطرابات لدى الأطفال والمراهقين، إذ يمكن الحديث هنا عن توظيفها في برامج علاج اضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة، والاكتئاب، ودورها الفعال مع أطفال اضطراب طيف التوحد ومتلازمة ريت، حتى أن بعض الدراسات تناولت توظيف الموسيقى في برامج علاجية للأطفال حديثي الولادة وحتى ستة أشهر.
* إن لم تكن هناك رغبة لدى الطفل بالتعلم، وقام الأهل بإجباره على ذلك، وهذا ما نلاحظه كثيراً في الآونة الأخيرة، ما تأثير ذلك على الطفل؟
** لا بد من الإشارة هنا إلى أن العلاقة بين الموسيقى والشخصية هي علاقة تبادلية أيضاً، بمعنى أنها تؤثر على الشخصية كما ذكرنا، إلا أن سمات هذه الشخصية والخصائص الانفعالية والمعرفية تحكم – بالمقابل – استخدامنا للموسيقى وخياراتنا ضمنها، بمعنى أن الفروق الفردية تحكم تقبل الطفل لدروس الموسيقى واستفادته منها.
انعدام الرغبة بتعلم الموسيقى له أسباب متعددة، لذا يفضل تحري السبب أولاً، إذ قد تكون المشكلة مع التوقيت، لاسيما أن بعض الدروس تكون بعد انتهاء دوام المدرسة بوقت قصير، أو بين مجموعة دروس خاصة، ولربما كانت المشكلة مع المكان الذي قد يكون بعيداً، أو الأشخاص كالمعلم مثلاً، أو حتى الآلة الموسيقية ذاتها، فبعض الأهل يجبرون الطفل على تعلم العزف على آلة معينة دون غيرها، فهنا ينصح بإتاحة الفرصة أمام الطفل لتجريب الآلات المختلفة، وهو عندها قد يجد نفسه في آلة معينة، فيقبل على تعلمها، أما التعنت في إجبار الطفل دون معرفة السبب، أي دون اكتراث لشخصيته وقدراته، فيمكن أن يزيد الطين بلة لذا توجيه الطفل نحو الموسيقى يجب أن يكون متدرجاً، وبأسلوب مريح، يراعي قدراته وتفضيلاته.
* كلمة تود قولها؟
(الموسيقى أداة فعالة في التربية) كما قالها مرة أفلاطون، وفوائدها الثرّة وجمالها الأخاذ يجعلان كل شخص يضع نفسه في طريقها، كما أن مجالها الواسع يتيح خيارات متنوعة يمكن أن يجد كل شخص منا نفسه فيها تقريباً، لذا عرفوا أطفالكم مجالاتها المختلفة، وأفسحوا لهم المجال لاختيار ما تميل إليه نفوسهم، ليتعلموا بطريقتهم، فالحب والدافعية عاملان مهمان في كل نجاح وحتى لو لم يجدوا أنفسهم في الموسيقى، فإنها تبقى فناً من فنون كثيرة لا تقل جمالاً.

رنا ياسين غانم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار