بـــــــين الـــــــذات والآخـــــــر.. للأدب رحـــــــلة لا تهــــــــدأ

العـــــدد 9512

الثــــــلاثاء 21 كانون الثاني 2020

 

يقول بيتر هاندكة (وهو الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1919): الأدب أعمق ما يمكن أن نعيشه، هو لا يغيّر الحياة، بل يوقظها، وبذلك يغير حياتنا، ويغيرنا نحن)، من كل الفضاءات التي تعددت فيها الأقاويل والتعريفات والتوصيفات للأدب والتي تحاول أن تملأ فضاءات الجدل الفكري القائم في ترجمة لمسير الإنسان على كوكبه يبقى الأدب هو الحالة التي تترّسب فيها كل المشاهد بعد نهارات وليالٍ وربما أشهر وسنين، يغلق الكاتب على نفسه باب الآنية، ويفتح باب الروح على مداها في اتساع يقارب أبعاداً لكل ما رآه وسجله وعايشه وعرفه، وربما ما يطمح إليه على المستوى الشخصي أو الجمعي، فتكون الحصيلة رحلةٌ تحمل معها مجموعة من الناس تختلف كثيراً في تعدادها، تتحرك في مداراتها المعاشة أو العابرة، وقد تعانق حباً أو كرهاً أو وطناً وربما أوطاناً، تؤطر اللحظة تارة، أو قد تتركها بلا إطارات تارةً أخرى، والأهم فيها أنّ هؤلاء الأشخاص يصير لهم أجنحة يغادرون السطور يرسمون هيئتهم التي تعجّ بكل إحساسٍ، بالحب والغضب والأحلام، الأدب رحلة في اتجاهين بين الذات والآخر في درب لا يهدأ…
تلك الدروب التي رسمت ووشمت صورة كاملة لشعب أو لأمة أو لحقبة تاريخية، ليصير الأدب يوصف في جغرافيته المكانية كأدب أميركا اللاتينية أو الأدب الروسي، أو الأدب العربي، أو الأوروبي أو الأفريقي، وصار للنتاج الأدبيّ عواصم تتبارى عليها الدول، حيث أنشئت فكرة العواصم الثقافية والتي ظهرت في أوروبا عام 1983م بإقرار عقد عالمي للتنمية الثقافية، ليوجز المسافات بين الشعوب في حالة من التلاقي في كسر كلّ حصار وهو في كل الأمكنة يحمل زماناً لا يغادر إلا للعقل، فصار الأدب حامل الثقافة وهويتها، مع تعدد أنواعه وأشكاله، ووضعت قواعد وقوانين لتصنيف الإنتاجات الأدبية إلاّ أنّ كل عصر طبع ظروفه، وحياته بنمط معين من الهيكلية الفكرية التي تجلّتْ في بوحها على أنماط كانت تتغير من جيلٍ إلى جيل، وتستحدث في ظلّ تطورٍ يشهده مجتمع ما، مع بقاء المكانة والقيمة الأدبية للحدث وللفكرة والأفكار المطروحة، وما تحاول أن تحكيه، ففي عصرنا الرقمي يقال أن 30% من الشباب هم من مواليد عصر التكنولوجيا ونشاطهم الفكري أصبح على شبكة عنكبوتية، الأمر الذي ساعد كثيراً في سرعة إيصال المادة الأدبية إلى هواتها، وصار معها حتى لعصر السرعة هذا أشكاله من الأدب سواء في القصة أو الشعر أو الرواية أو النثر، وإن عاد دور الرواية للصعود والتميز بين الفنون الأدبية المختلفة في وقتنا الحالي، وغدتْ لمكانتها الفضلى بين الطلب والحضور ولكن الأمر الذي يترك عدداً من الاستفهامات في هذا العصر، والذي أصبح فيه العالم بحقّ قرية صغيرة، وسادت فيه ثقافة الكترونية عابرة للقارات، يطبعها فكرٌ رأسماليّ، قوْلب الحياة بمجمل تفاصيلها، ومعه دخول الأدب ضمن لعبة تسويقية وتأثره في مفهوم تسليع الأشياء والمفاهيم، وطغيان مبدأ الإعلان حتى على الأحلام، فهل سيعاد تشكيل إنساننا الحالي والمستقبلي بعلاقات جديدة تطبع إنتاجه الفكري الذي بدأت بوادر نتاجه تظهر، وهل سيحمل هذا التلاحم الآلي أنماطاً تشبهنا أم تبعد مسافات محيرة لنا، يسوده مبدأ يقول: (الدول ذاكرتها في مستقبلها، بلا عواطف تحقد، ولا مواقع ثابتة، المصالح المستقبلية هي الناظم بعد امتلاك القوة).
في الخلاصة نستطيع أن نقول إنّ الأدب روح بدأت منذ الخليقة، هو نحن، ونحن دائماً في الأدب، والأدب الحقيقي هو الذي يعمل على تحفيز العقول، وطرح القضايا ومناقشة المسكوت عنه في المجتمعات، هو ثروة تاريخية عن طريق اكتشافه في مواقعه عندما تصيب الهدف، هو الذات التي لن يغمض جفنها ما دام يحمل هذا الإنسان قلبه.

سلمى حلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار