أطفـــال في مهــب الريـــح!

العـــــدد 9511

الإثنيــــن 20 كانون الثاني 2020

إذا أردت أن تتعرف على محمد وأخويه لن تبذل جهداً كبيراً، في شارع هنانو وسط مدينة طرطوس، حيث الازدحام، وفي كل ساعات النهار والليل..
في منتصف السوق، على الرصيف بين الباعة الجوالة، أو عند عمود كهرباء، يتكور محمد مثل صنم، تعرفه من قدميه العاريتين في كل الأوقات والظروف. منذ أشهر يراه المارة وأخويه وهم يتجولون، أو يجلسون في الشارع المزدحم حفاة، يدوسون في السيول المتشكلة من الأمطار الغزيرة، وفوق التراب المجبول بمياه الأمطار، وعلى الأرصفة دون حذاء، وغايتهم إثارة الشفقة وهم يطلبون من مال الله!
إذا حاولت التحدث إلى محمد يكون الصمت عنوان الحوار، حتى يظنه المرء أنه أخرس، وإذا اضطر، وبعد الإلحاح تكون الإجابة غامضة، المواربة، أو الكذب الواضح.
محمد طفل عجوز أكل الدهر براءته، وشرب دمع عينيه، وحتى الابتسامة، لم يبق من محمد إلا شكل الطفل الجامد الذي لا يبتسم، ولا يتكلم، وإذا تعرض لضغط السؤال يجيب بصوت غير مسموع، وبكلمات مبهمة.
مما قال أن أمه ماتت، ويعيش مع أبيه وأخويه في الشيخ سعد، وهو لا يعرف القراءة، ولا الكتابة، ولم يذهب إلى أية مدرسة، ينتظر محمد حتى ساعة متأخرة من الليل ليعود بما يأتيه من مال الله، قد تكون مرارة المشهد دافعاً، وسبباً لما يجمعه في يومه الطويل، تضحك عينا محمد لا شفتيه حين يرى المال يأتيه من مشفق متألم لحاله.
لا يمكن أن تتشابه القصص، فالمتسولون موجودون في كل زمان ومكان، حتى في أرقى دول العالم حسبما نسمع ونرى لكن أن يكون المتسول طفلاً .. هنا الجريمة.. حين يدفع أب أو أم بأطفالهم إلى الشارع تحت أي ظرف مهزلة يومية تجري أمام عيون المئات، ولا تحرك عصباً أو شعرة!
محمد وأخواه في ذمة الجهات المختصة بالمحافظة، ومحاسبة ولي أمرهم هي قمة العدالة والأمل..

سعاد سليمان 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار