هندام بالٍ وقديم.. وهمّ عيـــش يتجدد

العـــــدد 9511

الإثنيــــن 20 كانون الثاني 2020

 

ينشرون ثيابهم على حبل طريق في شرفات أيام غسلتها مساحيق قهر وبللتها دموع ألم وحاجة، لتكويها وتسويها أرصفة يعلقونها عليها بآمال وأحلام تطيرها كل حين، فتعرش بخيوط وألوان نسج ثوبها على جدران الطرقات، وأخرى يشرشرونها في أكوام كما في غرفة غسيل، لتمسك بحبال ناظريها ومحتاجيها، وتشرئب بملاقط آمالهم، ومع ريح يد تذهب صوبها، تعلو بها جديدة في مآقيهم، لترفرف بقماشها وبجناحي ابن فرناس تحلق لتغط هنداماً يقيهم شتاء يصرصر بأنين.
أبو أحمد يجلس جانب كومة من الملابس القديمة أشار إلى أنه لا يملك شهادة ولكنه يعرف القراءة والكتابة، كما أن ليس بيده مهنة ولا صنعة فماذا يفعل أو يعمل ليمد عائلته بشرايين الحياة؟ كان يعمل في أرضه في إدلب وهجرها بالأحداث، وجاء إلى اللاذقية ليستأجر غرفة لا تقشعها الشمس مقبية بالصفيح والتوتياء وليس بحجر قرميد، لديه من الأولاد ثلاثة وأمهم التي تعمل في بيوت العز والجاه، وقال: الحمد لله هي تسند جرة عيشنا وتروي رمق الأولاد، أما أنا فأحضر ما يهبنا إياه أصحاب الخير من لباس إلى هذه الطريق المقابل لمجمع أفاميا والقريب من سوق الخضار وبعض الدوائر والمؤسسات، أو في بعض الأحيان أقصد سوق الجمعة وأحضر ما يمكنني شراؤه بأبخس الأسعار، وبالتأكيد ليس من خزانتي وزوجتي التي فقدتها وضيعتها أوزار الحرب والركام.
فسألته إن كان لهذه الثياب من شار أو صاحب حاجة وسؤال؟
فرد والبسمة جلجلت في وجهه رغم نبرة صوته التي تهجمت في فمه بازدراء واستهزاء: إذا لم أكن أبيع فلماذا آتي كل يوم؟ لا تصدقي بائعاً يغلب نفسه مشقة الجلوس في الطرقات صيفاً وشتاء، ومغبة الإهانات من تحت أقدام المتحرشين والمزعجين، ورغم كل ما نتعرض له من ويلات حتى من البلدية في إجبارها على إخلاء الأرصفة لأجل الوجه السياحي للمدينة، إلا أن لقمة العيش تغلبنا وتقلبنا على الجانبين والوجهين كل حين ووقت لأجل الكد والسعي وراءها كما لنكون ، لا تؤاخذيني للأسف هذا ما يحصل معنا نحن الفقراء المعترين ،ومثلنا كثير يوجد من يأخذ بضاعتنا وهو بحاجتها وبسعر زهيد ولا تقارن مع أسعار محلات البالات، ولا تقولي إن ما فيها أفضل أو أنه بمقياس الجديد، صحيح أنه ليس لنا قدرة لنكون مثل أصحاب محلات البالة، نستأجر مكاناً ونغسل الثياب ونكويها وننشرها كما لو كانت في واجهات المحلات الوطنية والماركات، لكنها بنفس السوية من حيث الحياكة والقماش، والفرق بيننا بسيط هم في محل ونحن في الطريق، وأنت الأعلم بما يأتيه الطريق، العاث والفاسد والغابر والضعيف وبعضهم ظريف يمشون على أقدامهم ويشقون سبل عيشهم وليس فيهم واحد يترجل من سيارته وهذا أكيد (ما بيجي لعنا غير اللي متلنا) والرزق على الله وسبحان جبار الخواطر.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار