زواج القاصــرات ما زالــت حكــاية كــل زمـــان ومكــان..

العدد: 9508

الاربعاء: 15-1-2020

 

نختبئ وراء أصبعنا لنقول: لا يخصنا الموضوع وبعيد منا، لكن ما تسمعه في مجتمع يضيق بأهله يرفع البرقع عن أسبابها ويسدل الحجاب على الخاتمة والنهاية، وما زالت الحكاية ذاتها تغازل التقاليد وتتناغم مع عقولهم المتحجرة .

براعم تتفتح بغير زمانها ولونها، فتيات هجرن صفوف الدراسة ورمين من أيديهن الألعاب وسط فناء الدار لتشدها يد رجل غريب أرادها زوجة تتفتح أمام ناظريه في إناء، منهن قد ارتضينَ ما شاء لها الهوى والقدر وغيرها قد ذبل رحيقها وارتمت ببتلاتها على الطرقات المهجورة وأرصفة النسيان.

زواج القاصرات فشلت معه القوانين وندوات التوعية التي تقام في اليوم العالمي للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتنشرها الجمعيات المدنية والمؤسسات التعليمية ما دام هناك من يدعي ويقول (البنت لبيت زوجها إن عليت أو نزلت).
* فكيف لندى أن تكمل تعليمها وهي طالبة كسولة ولا تجد من يشد على يدها ويشرح لها بعض مفردات المنهاج ويساعدها لتنجح، حتى أن والدتها تسمعها بالفم الملآن (بسيطة بكرا بيجيك ابن الحلال شو بدك بالدرس) وأبوها من الجهة الأخرى يقابلها بقوله (البنت ما إلها غير بيت زوجها مهما نالت من شهادات هذه سنة الحياة) وأخوها يرفع صوته ويقول (هي أنا شاب أخذت الشهادة الجامعية وعلقتها على الحائط بمسمار في الدكان الذي أشتغل فيه، ما في وظائف) وأختها تنصحها وتقول (الزواج سترة) فتقف وسط طريق عاثرة وبأمرها حائرة وتخلد لنفسها قليلاً وكثيراً لتقول (الزواج واقع لا محالة إن كان اليوم أو في الغد).
* * السيدة خلود: الزواج المبكر شيء خطير يفتك السعادة وتجربتي خير دليل، تزوجت في الصف الثامن من مهندس يعمل خارج البلاد، بداية الأمر رغبت في السفر والعيش برخاء ولكن مع مرور الزمن والحياة البعيدة التي عشتها في الغربة والحرمان من الأهل والأصدقاء وإكمالهم تعليمهم وأصبحوا بمراتب وأسماء، وسلب طفولتي وشبابي وتحملي مسؤولية كبيرة، وجدت بأني ظلمت نفسي كثيراً ورميت بها بين أنقاض الحياة وتربية الأولاد ولا شيء يعوض الفترة التي ضاعت من عمري هذا ناهيك عن أنني تزوجت بشخص يكبرني بسنوات ورغم تفهمه للحياة إلا أن هناك فارقاً كبيراً بيننا نفسياً وجسدياً واجتماعياً.
* المرشدة النفسية رغداء خير بك، قالت: زواج القاصرات جريمة لا تغتفر في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة بالتطور الهائل الحاصل في شتى المجالات، وله آثار سلبية جداً على نفسية القاصر جراء معاناتها الظلم والقهر والحرمان، ويأتي ظلمها بدخولها عالم جديد غريب يفوق مداركها العقلية من حيث كيفية التعامل مع الرجل الزوج والحمل والإنجاب وتربية الأطفال من جهة ومن جهة أخرى إذا لم تنجب ذكراً، وعلاقتها بأهل الزوج وكل هذه التفاصيل التي لم ينضج بعد عقلها لاستيعابها، والقهر والحرمان بحرمانها من طفولتها أجمل مراحل العمر، ونجد في المجتمع من يقال له إذا ما قرر الزواج مرة أخرى على زوجته (جهلة الأربعين) ولا يعلمون بأنه حرم من مراهقته سابقاً وإذا ما صدرت عنه تصرفات تشبه إلى حد ما تصرفات الأطفال فيكون قد حرم من طفولته، فحالة الحرمان من أي مرحلة من نموه سوف يعوضها في فترة لاحقة من عمره ولو كان قد نضج، ليسمع سخط الناس وسخريتهم فيكون وجعه وجعين.
إضافة لما تعانيه القاصر بسبب الزواج من آلام وأوجاع لا قدرة لها على تحملها أولها الحمل والولادة وتربية الأطفال إذ كيف لطفلة أن تربي طفلاً مثلها؟ وأيضاً التفكك الأسري نتيجة الشجار وضربها وتعنيفها وتعذيبها من الزوج وأهله وقد يكون فيه الطلاق، وهو نتيجة مؤكدة وقل ما ينجح وإذا ما استمر مثل هذا الزواج فمن المؤكد أن يكون على حسابها ومن جسدها ونفسها، وبالتالي هو زواج فاشل بائس، كما هم منفذوه، والكارثة الأكبر إذا الزوج قام باستغلال تلك القاصر في أعمال منافية للحشمة وهذ ما حدث مع الطفلة (س) حيث تم استدراجها لأحد المنازل بغرض أن تكون (شغالة) تقوم بأعمال التنظيف وخلافه، فكان أن قدمت لها القهوة وفيها حبة منوم وجرى ما لم يتوقعه أحد من شلة شبان منحرفين أخلاقياً ليتم إخراجها من مدرستها وتزويجها من شاب خارج البلد، وهو ما أفرده بمصيرها واستغلالها بأعمال منافية للحشمة لقاء مردود مادي كبير جداً لتعود بعدها إلى أهلها محطمة نفسياً وجسدياً وشبه فاقدة لوعيها وعقلها ليضعوها وسط مرحلة علاج نفسي وطبي، إن زواج القاصرات مرفوض ولأي سبب كان وتحت أي مغريات أو مسميات فيه الإكراه والحرمان وامتهان لكرامة تلك الطفلة وإنسانيتها.
* المحامي أنيس ديوب: الزواج أخطر مشروع في الحياة إنه يؤدي إلى علاقات دائمة لا تنقضي حتى بالطلاق أو الوفاة، لأنه ينشئ قرابة بين الزوجين وأهليهما ويأتي بأولاد، فإذا لم يكن هذا الزواج موفقاً نتجت آثاره على الأولاد والأقارب في المستقبل وربما لها أثر كبير على حياتهم ومستقبلهم، ولذلك من الضروري أن يحاط الزواج منذ بدايته بكل ضمانات نجاحه بحسن الاختيار أولاً، وببنائه على الرضا والتفاهم والقبول وبشكل مدروس، لذلك فإن الأهلية في الزواج بين عقل وبلوغ هي من الشروط الهامة حباً في الزواج وذلك لخطورته وقد أكد عليها القانون حيث أشترط أن تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر ولكن المشرع لأسباب اجتماعية وثقافية وغيرها من العادات، سمح قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59/1953 وتعديلاته وفي المادة 18-1- زواج القاصر حيث جاء إذ ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلب الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واكتمال جسميهما.
إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشتُرطت موافقته، إنَّ زواج القاصر له مساوئ ومحاسن من حيث العلاقة الزوجية وتربية الأطفال وتحمل الأعباء فهي غير قادرة على تحملها المسؤوليات في مثل هذا العمر، وتقول منظمة الأمم المتحدة عن زواج القاصرات إنه يستنزف الإمكانيات الموجودة لدى الفتاة والتي تمكنها من تحقيق أهداف حياتها العملية من خلال تركها والانتقال للعيش في منزل زوجها ومن خلال تعرضها لمضاعفات خلال فترة الحمل وأثناء الولادة وذلك لأن أجسادهن لم تنمُ وتكتمل بشكل تام كذلك تسبب مشاكل أسرية، فالفتيات اللواتي يتزوجن مبكراً لا يشعرن بالحياة الزوجية المستقرة ويكثر الشعور بالقلق والتوتر بين الزوجين وكثيراً ما يصابون بالاكتئاب وكذلك المشاكل الاجتماعية والانفصال عن الزملاء في المدرسة، وبالرغم من مساوئها إلا أن زواج القاصر له بعض المحاسن حيث يحميهم من الوقوع في الفاحشة والرذيلة ويؤهل الشباب لتحمل المسؤولية المبكرة، فالشاب مهما بلغ من العمر لا يتحمل المسؤولية إلا عندما يدخل قفص الحياة الزوجية ويتعرف على واجباته كما أنه يساعد على القضاء على العنوسة في المجتمع كما أنه يحقق السعادة لأفراد المجتمع بسبب إشباع رغباتهم وحاجاتهم الشخصية.
هذا وقد تم تعديل قانون الأحوال الشخصية حيث تمَّ رفع سن زواج القاصرين حيث جاء في المادة 162: تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة ببلوغ الثامنة عشرة من العمر.
182-1 إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واكتمال جسميهما ومعرفتهما بالحقوق الزوجية.
إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشتُرطت موافقته ونجد في التعديل بأن المشرّع ساوى في أهلية الزواج بين الرجل والمرأة حيث اشترط اكتمال أهليتهما ببلوغهما الثامنة عشرة من العمر وذلك حسب ما جاء في المادة 16 منه القانون رقم /4/ لعام 2019.
كما أنه رفع سن زواج المراهقة لتصبح خمسة عشر عاماً شرط أن يكونا قادرين صحياً وجسدياً على تحمل الأعباء المترتبة عن الزواج ومعرفتهما بالحقوق من احترام وألفة وحنان وتربية الأطفال والحفاظ على الأسرة والأولاد وتربيتهم.
ومن خلال ما رأيناه من محاسن ومساوئ زواج القاصرين أرى أنه أمر محزن ومؤلم حيث إنه يقضي على مستقبلهم وأحلامهم وحياتهم النفسية والجسدية والعلمية.
سئل الشاعر الانكليزي ميلتون: لماذا يسمحون لولي العهد أن يتولى الملك في الرابعة عشرة، ولا يسمحون له أن يتزوج قبل الثامنة عشرة؟
فأجاب: لأنّ سياسة البلاد على ما فيها من الرعايا أسهل مراساً من سياسة الزوجة.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار