العـــــدد 9505
الأحــــــد 12 كانون الثاني 2020
في قصة من قصصنا التي تدور مع استيقاظ الشمس، وتتشابك مع أشعتها، ترسم ملامحنا على مرايا، فنكون في رؤية لوجوهنا وعتمة لأرواح هائمة تعتلي الزمن، تكتب نبض حياة، بعضه أو جله، وربما كله … القصة القصيرة، حكاية لأحد منا في مدى قد يطول وقد يقصر ،لكن لهفة البوح تحتضن ما يجول على سطور، نحاول أن نتأنق جيداً فهل ننجح ،أم تكشف القصة بعضاً من خبايانا، أم جل منها.
مع قصص من الحياة كان للكاتب والإعلامي سجيع قرقماز والأديبة كلاديس مطر ظهرية قصصية في دار الأسد للثقافة مؤخراً بحضور لفيف من الأدباء والمهتمين، حملت ساعات هذه الظهرية العديد من أشخاص تحركوا عبر أحداث الحكاية التي كانت أولها مع (سبع محاولات للبقاء على قيد الحياة) للأديب سجيع قرقماز، تدور أحداث هذه القصة بين حقيقة الموت وبعض من الحقائق الحياتية التي تواجهه في تقلبات ومشاعر شتى و يكشف الموت ماكانت تخبئه الحياة من مواربات وازدواجية ونفاق، هذه الثنائية بين الموت والحياة تتعدد بين سبع محاولات للبقاء في تماه لكشف الواقع وما يحصل ،لكنها تنتهي في ضبابية السؤال الباقي أبداً عن النفس الإنسانية وتناقضاتها في القصة ما بين الموت والحياة وانكشاف العالم الذي يحيط بشخص عفوي أمين محمود يكشف له الموت حقيقة كل من حوله من مجتمعه الصغير أسرته وصديقه الوحيد إلى مجتمعه الأكبر من أهالي قريته وأصحابه, لتتضح صورة مجتمع يعج بالتناقضات, يقول قرقماز في بدايتها: لم أكن قدمتّ بعد, كنتُ ممدداً في تابوت فخم هادئاً مطمئناً، كالنفس الراجعة إلى ربها, جميع من حولي كانوا يتحركون بانفعالٍ يوشي بأنيّ ميْتْ، استغربت ذلك، حاولت النهوض، ترددتْ, بعد قليل أعجبتني اللعبة – أجل لعبة الموت – اكتشفت أن الموت لعبة مسليةٌ جميع من حولك بلهاء لا يعرفون كيف يتصرفون-هذا في البداية طبعاً -لكنهم شيئاً فشيئاً يهدؤون ،ويبدؤون بالتصرف كلٌ حسب علاقته بالميت، الذي هو أنا, أنا، قبل أن أموت كنت أظن الموت مرعباً, لكن عندما متّ – كما يعتقدون- رأيت أني أكتشف أشياءً قضيت سنواتي الستين في محاولة معرفتها دون جدوى، ويبدو أن الحياة لم تزدني سوى حماقة, ستون عاماً لم أتمكن خلالها من الحكم على من هم حولي.
أما الأديبة كلاديس مطر فقد قرأت مقدمة لكتابها الأخير بعنوان (غبار مئة حرب) والذي يحوي مجموعة قصصية، فاختارت أن تقرأ مقدمته التي عنونتها بـ (منشطات الكتابة) حيث تتضمن فقرات عدة ضمن سياق القصة ومفاعيلها، فاحتوت الفقرة الأولى والمسماة (بركات عشتار) موضوعاً عن منشطات الكتابة، فتقول في بدايته: يتصور صديقي الأديب أن منشطات الكتابة قد خذلته، وكما هيئ له أنني أضحك أمام شاشة الكمبيوتر وأنا أكتب سعيدة، كعشتار توزع بركاتها على الرعية، كذلك كنت أتخيله في عزلة المتصوف الخاشع أمام نص خفي لن يعلن عنه إلا في وقته، قلت في نفسي مرات، الله وحده يعلم ما سيخرج من بين يديه، الأحداث العربية على كل المستويات تتوالى من حولنا وتكبر ككرة ثلج ثائرة في فضائنا كل منشطات الدنيا، من يأبه بعمله الإداري حينما تهطل على المرء رمال الكتابة القمرية المشعة؟ سوف يغلق أذنيه عن صخب الدنيا ويكتب هذا النص الذي طال انتظاره، من يستطيع أن يقف أمام إغواء السرد والصفحة البيضاء الالكترونية؟
وتتابع كلاديس مطر في مقدمتها هذه بفقرات أخرى عدة حملت عناوين مثل (قطر الكتابة- خيال الكاتبة المرهقة- القلب وما يرهقه) تتناول فيه موضوع الكتابة وآليته حيث تقول في ختام هذه الفقرات: لربما كانت منشطات الكتابة منتهية الصلاحية في عالمنا العربي، لقد أصبحنا متآلفين مع كل شيء! بهت الإحساس بالدهشة الأولى، القبلة الأولى، الاكتشاف الأول، العالم يمر كل يوم أمامنا كما هو متبدلا، لا فرق! لكننا نعرف، أنا وصديقي أين نعثر على هذه المنشطات.
سلمى حلوم