العـــــدد 9505
الأحــــــد 12 كانون الثاني 2020
القصة القصيرة جداً حالة طبيعية مرافقة للتطور المجتمعي متعدد الاتجاهات الذي اتسم بدخول التكنولوجيا والسرعة مختلف مجالات الحياة، وقد تطور فن القصة كثيراً في سورية على يد جيل الشباب الباحث عن أساليب فنية مبتكرة وجديدة، وانتقلت القصة القصيرة من السرد الطويل إلى الومضة التي أخذت مكانها بين سائر الأجناس الأدبية كجنس أدبي مستقل له عناصره وتقنياته وخصائصه ويحقق الفائدة والمتعة والإدهاش، ولم يعد همه يقتصر على معالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية فحسب بل صار يركز على تطوير أساليبه الغنية مستعيناً بالتجارب الإبداعية العالمية وخاصة شعر الهايكو الياباني، وما أثمرته وما طرحته من تقنيات.
فن جذاب راق له امتداده وقدرته على الغنى والتنوع يؤدي دوراً ثقافياً فاعلاً لقربه من الواقع المعاش وتمثله بظرف الإنسان اليومي بما له وما عليه والتعبير بطرق فنية جديدة عن مكنونات ومحتويات المضامين الاجتماعية والانسانية الموجودة بكثرة في حياتنا، والقاص المبدع يدخل عوالم الناس، المجتمع ليقطف من بساتينهم الغريب العجيب والتقاط أمانيهم وأحلامهم ويملأ سلاله بورودهم وأشواكهم بين المضحك – المبكي- الساخر- الكوميدي – التراجيدي، يلتقط مضامينها بعناية وتبصر ويعبر عنها بطريقة فنية أحسن تعبير، وما أن تقرأ القصة حتى تجد نفسك بإزاء محترف يجيد فن القص والقدرة على تذوق الفكرة التي استفزته في القلب قبل العقل وتصنيع توليفة بين الخيال والواقع والمرمى الذي يستهدفه وطريقته في عرض المضمون والفكرة والحدث وزيادة عمق التأويل وعناصر التشويق.
القصة القصيرة جداً تصاغ بصور شعرية حداثوية ورؤيا خيالية عميقة الدلالة والمرمى والهدف، تروق بها اللغة وتصفى وتتخلص الجملة من الزوائد وتصبح أكثر دقة واختزالاً وإحكاماً، متنوعة المواضيع بين العاطفية والوجدانية والهموم الاجتماعية والخدمية والسياسية والوطنية التي تقارب لغة الناس اليومية وتهم المتلقي وتلامس واقعه ورصد جوانب الأزمة التي يعيشها الوطن وتضحيات الشهداء وذويهم والجرحى بأسلوب شيق ولغة تنساب عذوبة ويسراً.
نحن الآن في عصر الهايكو والمقطوعات والتغريدات الخاطفة، عصر إبداعي كثير الإيماض حيث التكثيف والسرعة للوصول إلى النهاية- القفلة، والاقتصاد باستخدام الجمل الأسمية والفعلية والاعتماد الكبير على الرمزية والإيحاء والإيماء عكس الشعر الذي يعطى مساحة وإمكانية أكبر في التعبير عن مكنونات الحياة اليومية ومشكلات الهم الخاص والعام التي تتعلق بالواقع المعاش والحاضر والمستقبل، ويحمل الكثير من تداعيات الحياة التي انعكست على ذات الكاتب فجاءت على شكل نصوص قصيرة معبرة عن تساؤلات ورؤى إنسانية بعمق دلالي وتعبيري وإحساس متدفق فياض.
المقولة القصيرة والضاحكة ابنة هذه الأيام بينما المطولات تطوي أجنحتها إلى الخزائن والرفوف والصدأ والغبار، وهذا لا يستدعي تقديم النصوص القزمة والمبتورة، فمدى الإمتاع والجذب والاستحسان والقبول بين القراء هي شروط يجب أن تتوافر لكل عمل فني وأدبي.
نعمان إبراهيم حميشة