الخطاط ســهيل سعد:للخط العربي فطرة سرمدية وإعجاز روحاني وبعد حضاري

العدد: 9502

الثلاثاء: 7-1-2020

 

للخط العربي حضور قوي في المجال الفني البصري الذي يأخذ بعده الأساسي من تشكيل الحرف, وللحديث عن الخط العربي, وما يميزه التقينا أحد فناني الخط العربي بالبعد التشكيلي في الحرف العربي, وفي تغلغل الذهنية الهندسية في بناء اللوحة, وتداخل الأشكال المختلفة. وما يلفت النظر خفة ورشاقة الحرف عنده إنه الخطاط: سهيل سعد المؤمن بأن الخط العربي جزء من تاريخنا, ولا ينقسم عن تراثنا. ومعه كان حوارنا الآتي..

بداية ما الذي دفعك للاهتمام بالخط العربي؟
البداية كانت في المرحلة الثانوية, وقد يكون للوراثة دور في ذلك. فخط الوالد كان جميلاً وخاصة الخط الفارسي, كما استهوتني بعض اللوحات الإعلانية, وتطور هذا الشغف إلى أن حصلت على كراسة الخط العربي للخطاط العراقي المبدع محمد هاشم البغدادي, وكان التفرغ يومياً لدراسة أنواع الخطوط, وهذه الكراسة كانت بمثابة معلمي الوحيد لهذا النوع من الفن.

ما الخطوط العربية الأكثر جمالاً؟
جميع الخطوط العربية جميلة دون استثناء, ولكل خط ميزاته وخصوصياته ومناسباته في الكتابة مثلاً: الكتابة السريعة مثل المحاضرات أو المعاملات فهناك خط الرقعة, أما من حيث الوضوح والقراءة فهناك خط النسخ لذلك نجده في الكتب المدرسية والطباعة وخط القرآن الكريم . أما اللوحات الإبداعية فأكثرها بخط الثلث. بينما الموسيقى والانسياب والرقة فتتجلى بالخط الفارسي.
ما الذي يستهويك منها؟ ولماذا؟
أكثرها إبداعاً من وجهة نظري الخط الفارسي(النستعليق) لأن الإحساس بهذا الخط هو من عالم الروح لما يتمتع به من ليونة وتعلق للحرف مع أخيه الحرف حتى يكتمل بناء الكلمة. لذلك يقاس إبداع الخطاط بما يجيده من تجويد الخط الفارسي.
يعد فن الخط من الفنون الصعبة, فأين تكمن صعوبته؟
نتفق أولاً على اعتبار أن الرغبة في إتقان الخط موجودة عند المتدرب وتبقى الصعوبة هي كأي حالة من حالات الفنون, وهي الصبر والمثابرة وكثرة التمرين للوصول إلى نقطة الإتقان, والانقطاع الطويل عن التدريب هو التراجع عن هذا الإتقان. وهناك مقولة للخطاط حامد الأمدي يقول: أنا أميز بين ما أكتبه يوم الخميس عما أكتبه يوم السبت لأن هناك انقطاعاً عن الكتابة يوم الجمعة. تزداد الصعوبة بغياب الأستاذ أو المعلم, لأن المعلم يوفر على الطالب الزمن الطويل والجهد الكبير إضافة إلى إغناء الطالب بالخبرة وأسرار الخط.
ما الذي تحاول قوله عبر الخط العربي؟
يحضرني قول الإمام علي ( كرم الله وجهه) عن الخط العربي: الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية أقول: حبذا لو استطعنا أن نتلمس تنازلات هذه الهندسة الروحانية بكل تجلياتها إلى فضاءات الجسد رقياً وتقدماً ورفعة. هذه الفطرة السرمدية والإعجاز الروحاني للحرف إلى عالم الممكنات لتتجلى في حياتنا بعداً حضارياً, وانطلاقة إلى مساحات أوسع للمحبة والتسامح, كما أن الخط نظام وهندسة وجمال واختراع إلهي في أصل الأشياء…. وفي البدء كانت الكلمة…

هل تعتقد أن الخط العربي قادر تعبيرياً عن الإفصاح عن شخصية الخطاط؟
بالتأكيد وبغض النظر عن معنى التعبير والإفصاح أقول: إن لكل خطاط بصمة خاصة به في كتابة لوحاته, والحق يقال: إن عموم الخطاطين يتميزون بنفس راق وحالة نفسية مستقرة ولكن يجب أن نميز بين حالة من يعمل بالخط تجارياً والقصد الربح, وبين من يكتب من باب العشق, وإن كان من ورائه مكسب مادي.
تعلّم قوام الخط يا ذا التأدب
فما الخط إلا زينة المتأدب
فإن كنت ذا مال فخطك زينة
وإن كنت محتاجاً فأفضل مكسب
ماذا عن الأدوات المستعملة وتقنيات العمل؟
بالنسبة للمبتدئين أدواتهم : القصبة أو ريشة الحديد أو أقلام جاهزة بمقاييس بسيطة (1مم -2مم -3مم) وكراسة للخط العربي. أما المحترفون هناك أدوات وتقنيات لا حصر لها من استخدام الفرشاة على القماش أو الجدران وأنواع الدهان أو الورق المقسى. إضافة إلى الاستعانة بالمكنات الطباعية المتعددة, وخاصة للإعلانات التجارية. ومن يحب متابعة هذه القضايا فهناك برامج خاصة على اليوتيوب, وهناك صفحة على الفيس بوك (منتدى الخطاطين العرب).
أين تجد موقع الخط الآن في ظل الطباعة والكمبيوتر؟
هناك تراجع كبير في مجال الخط العربي بعد ظهور الكمبيوتر ومكنات الطباعة ( الفليكس – الفينيل) انحسر الإبداع في الخط مثال : أي شخص ولو لم يكن لديه أدنى دراية بالخط يستطيع أن يصنع لوحة إعلانية أو ورقية أو ملصقة بكل سهولة أو يفتتح مكتباً للدعاية والإعلان وسابقاً كان الخطاط مبدعاً إذ يصمم اللوحة ويعمل يدوياً. فهو يرسم الحرف ويقص البلاستيك, ويضع الرتوش, ويختار اللون والظل وهلم جراً….
كيف تنظر إلى مستقبل هذا النوع من التشكيل الفني؟
مهما تعاظمت الآلة يبقى عمل يد الخطاط حالة إبداعية, ما يشجعني ويدفعني للتفاؤل هو تبني الكثير من إخوتنا الخطاطين للكثير من الطلاب, ويقيمون الدورات التعليمية للخط العربي, وأنا أرى: أن جيلاً ناشئاً سيفاجئ العالم بروعة خطه, وجمال حروفه. ولهؤلاء الأساتذة الخطاطين ألف شكر, ومجهودهم لا يقدر بثمن.
كلمة أخيرة للخطاط سعد ننهي بها هذا الحوار.
كلمتي الأخيرة: أهيب بوزارة التربية إعطاء أهمية أكبر لهذا الفن, وأن تخصص حصصاً درسية إضافية في مدارسنا. نطالب بهذا لأن الخط جزء لا ينصرم عن تاريخنا, ولا ينفصم عن تراثنا. والذهاب بعيداً عن الخط هو حالة تدميرية.
والسؤال المطروح هنا على بساط البحث: لماذا لا يكون في بلدنا أكاديمية خاصة للخط العربي, كما هو الحال في مصر والعراق. أرجو من كل شخص مسؤول أن يتمثل هذا الرجاء بعين بصيرته.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار