مرايا محدبة وأخرى مقعرة…

العدد: 9492

الأربعاء:18-12-2019

 

من بعيد أراه يتمختر ويمشي الهنيهة والوئيد، يمرح يمنة ويأتيها باليسار، وقد أطلق العنان لعبثه ولعبه كطفل رغيد زهقت أنفاسه داخل أسوار البيت، إنه كلب أبيض صغير يلبس كنزة صوفية دون سؤال منه أو رجاء، وفجأة تشده صاحبته معلنة انتهاء المشوار وقد حانت الساعة والعودة للبيت، لكنه وقف وحرن في مكانه وكأنه يستجديها أن تمد عليه ببعض الوقت وتمهله للهو، ولمَ العجلة فالنهار ما زال في منتصفه والشمس تقبع في كبد السماء والجو لطيف والناس في ذهاب وإياب يجتازونه بلا مزاح، وهو ينظر إلى كل منهم بأمان، تعود صاحبته وتضيق عليه الخناق ،وتشده بالوثاق لكنه يرفض ويتذمر ويحاول شدها عساها ترضى لكن دق عنقه جاء على جره بحمله الخفيف، فتدخله جدران البيت حبيساً بلا حكم ولا قوانين.
وفي الرصيف الآخر من الطريق يافع بين الطفولة والمراهقة هو في شأنها يحتار، يمشي بهدوء ودون ضجيج على الطرف والحافة، وقد أمسك بيد والده وشد عليها بأصابعه كوثاق، فالكل يجتازه بسؤال من نظرة يرمقه بها ويشطر بها القلب والفؤاد ويكاد يقترب ليهمس في أذنه كلمة شفقة ولوم على والده الحسران، والأب ينظر في وجهه كل ثانية ودقيقة ليشعره بالاطمئنان ويبرد نار قلبه التي تستعر بضرباتها خوفاً ورجفان، يكّلمه ويجسّ نبضه وولده يحاول الوقوف في نظرته للوراء ومحاولة الرجوع للبيت فداخل جدرانه هو الأمان.

هـدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار