العدد: 9489
الأحد: 15-12-2019
استضاف المركز الثقافي في صافيتا الباحث التاريخي بسام القحط الذي قدم محاضرة بعنوان المواقع الأثرية على نهر الغمقة التاريخي، بدأها بالحديث عن الجغرافية التاريخية لنهر الغمقة قائلاً:
إن النبع الأساسي لنهر الغمقة التاريخي هو عين ماء منبثقة من الجدار الحجري الأثري الغربي للحرم الكبير في حصن سليمان الواقع في جبال منطقة صافيتا السورية، ويتّحد نهر الغمقة خلال مسيرته إلى البحر الأبيض المتوسط مع عدة ينابيع مائية هامة أهمها عين الكبيرة ولكن النبع الأساسي الثاني لنهر الغمقة هو (عين الغمقة) الواقعة على بعد 2 كم شمالي مدينة صافيتا ويصب نهر الغمقة في البحر عند مدخل مدينة طرطوس الجنوبي (مقابل جزيرة أرواد)، وأضاف: نهر الغمقة تاريخياً هو نهر أروادي فينيقي بامتياز حيث ارتبط النهر مع مملكة أرواد منذ نشأتها في الألف الرابع قبل الميلاد ارتباطاً جغرافياً وتاريخياً ودينياً واجتماعياً وحضارياً خصوصاً عبر معبد (حصن سليمان) بيت أوخيخي وهو معبد جزيرة أرواد الأساسي في الفترة الفينيقية 1000 ق.م إلى 330 م.
وعن أول المواقع الأثرية التاريخية الهامة قال الأستاذ بسام: إن معبد حصن سليمان وكنيسة مار ميخائيل في برج صافيتا الأثري هما أهم موقعين أثريين باقيين على نهر الغمقة التاريخي، ويوجد إضافة إلى هذين الموقعين الأثريين والتاريخيين البالغي الأهمية عشرات المواقع الأثرية الأخرى متوزعة على هذا النهر الأثري التاريخي من منبعه في حصن سليمان وحتى مصبه في المدخل الجنوبي لمدينة طرطوس:
× معبد حصن سليمان الفينيقي
قبل بداية الألف الأولى قبل الميلاد بنى الأرواديون القدماء في الملزق الشرقي لجبال منطقة صافيتا معبداً لآلهة الطبيعة الفينيقية الثلاثة (الشمس، القمر، الزهرة) و مي المعبد معبد بيت أوخيخي (معبد الأخوية أو الأخوة).
وعندما فتح الإمبراطور الاسكندر المقدوني سورية الساحلية عام 332 ق.م استقبله ملك أرواد جيروس ستراتوس في موقع رأس الشغري المطل مباشرة على نهر الغمقة وعلى مدينة طرطوس (عند تلة مشفى الباسل حالياً)، ولذلك أعطى الاسكندر لمملكة أرواد امتيازات واسعة وأبقى لها استقلالها الذاتي ضمن الإمبراطورية العالمية التي أسسها من مقدونيا حتى أفغانستان، كما قدم الاسكندر التبرعات لمعبد حصن سليمان وتدل الكتابة اليونانية الموجودة على البوابة الكبرى في حصن سليمان وكتابات الحرم الصغير اليونانية على دور كبير في بناء النواة الأصلية للحرمين الكبير والصغير في الموقع وهذا الدور هو أساساً في بناء النواة الأصلية للمعبد هو للاسكندر المقدوني وخلفائه من ملوك سورية السلوقيين 330 – 64 ق.م
توسيع معبد حصن سليمان خلال فترة حكم الأباطرة الرومان من أصل سوري 180 – 250 م، وآخر هؤلاء الأباطرة هو الإمبراطور فيليب العربي 241 – 250 م والذي ولد في شهبا، حوران وصاهر شميسغراموس كاهن الشمس الأكبر في حمص، وحكم الإمبراطورية الرومانية العالمية لمدة تزيد عن تسعة سنوات.
تحويل الحرم الصغير في حصن سليمان إلى كنيسة ودير في الفترة البيزنطية (الرومانية المسيحية) 330 – 1075 م: تحولت الإمبراطورية الرومانية إلى الديانة المسيحية على يد الإمبراطور قسطنطين الكبير الذي بنى القسطنطينية في موقع استنبول الحالية واتخذها عاصمة ثانية له بعد روما، واعتنت والدة قسطنطين القديسة هيلانة ببناء الأديرة والكنائس في فينيقيا الساحلية خصوصاً الإمارات الفينيقية الثلاثة (أرواد، صيدا، صور)، كما قام الإمبراطور البيزنطي جوستينيان في القرن الخامس للميلاد بتحويل الحرم الصغير في حصن سليمان إلى دير وكنيسة مسيحية (الأرجح على أسم القديسة تقلا المدفونة في جزيرة أرواد) وما يزال أهالي المنطقة إلى اليوم يسمون هذا الحرم الصغير باسم الدير أو الكنيسة.
× موقع برج صافيتا التاريخي وكنيسة مار ميخائيل الأثرية 1100 – 2019 م
من وجهة نظر الجغرافية التاريخية تعتبر قلعة برج صافيتا قلعة أثرية تطل مباشرة على الضفة الجنوبية لنهر الغمقة التاريخي، حيث يطل برج صافيتا مباشرة من جهة الشمال (و على بعد أقل من 2 كم بخط نظر مباشر) على نبع الغمقة الأثري الذي يتوسط حوضة الغمقة أو سهل الغمقة الصغير.
بعد احتلالهم لسورية 1097 بنى الصليبيون كنيسة مار ميخائيل في برج صافيتا على أنقاض كنيسة مسيحية بيزنطية تعود إلى القرن الخامس ميلادي وكانت واقعة على طريق الحج المسيحي من القسطنطينية إلى بيت المقدس، وقد أخرجت كنيسة مار ميخائيل الأثرية ثلاثة بطاركة تعاقبوا على رئاسة الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية خلال كامل القرن السادس عشر (1519 – 1612).
× المواقع الأثرية الأخرى على نهر الغمقة التاريخي من المنبع إلى المصب:
توجد عشرات المواقع الأثرية المتوزعة على مجرى نهر الغمقة وروافده من الجهتين الشمالية والجنوبية و يمكن لنا توزيع هذه المواقع بحسب كشوفاتنا الأثرية إلى الفترات التاريخية التالية:
– مواقع العصر الحجري:
موقع روزنة نبع الغمقة وموقع مغارة المتومة (عصر حجري) معاد استعماله في الفترتين الفينيقية 1000 ق.م – 330 م، و الصليبية 1097 – 1303 م.
– مواقع فينيقية مندثرة:
قرية بيت اوخيخي (حصن سليمان) على النبع مباشرة وبين النبع وقرية الصويري
وقرى ومواقع مندثرة في (عينو وبتعلوس وعين الكبيرة والشماميس الفوقانية وكرم مغيزل وقلع كرم مغيزل والصومعة وكفر ريخة), ومواقع قرى غربي صافيتا (ضهر مطرو، ومشرفة كحلة وتيشور وبيت الحاج معلا وحمين والملاجة بيت القصر).
× التلال الأثرية لمصب نهر الغمقة الفينيقي في البحر جنوب طرطوس: أهمها (الخريبات، رأس الشغري، وتل الغمقة الصغير) جنوبي فرع الحزب.
× مواقع سلوقية (أروادية – فينيقية) على نهر الغمقة وروافده:
نبع الغمقة الأثري شمالي مدينة صافيتا، تل الجبيبات الأثري نبع الغمقة وموقع الزيرة قرب مدرسة السواقة غربي النبع، قرية بيت شباط، قرية عين الجاش، قلعة تخله، فوار المقدس الشيخ علي البحري في الوادي بين بيت خميّس وفتاح نصار والوادي وصولاً لضهر مطرو (الرافد نهر أبو ذكرى).
× مواقع رومانية بيزنطية مسيحية (تابعة للمقاطعة الرومانية فينيقيا البحرية كانت عاصمتها أرواد): كيمة أوبين، سنديانة أوبين، أوبين، القلعة الفضية (قلعة برج صافيتا قبل الصليبيين)، المندرة، الجروية، الأسقف، قلعة بيت زينب المعروفة حالياً (القنطرة الأثرية في حفة وعاشقة )، مجدلون البستان.
× مواقع صليبية بحتة أو معاد بناؤها في الفترة الصليبية:
بيت شباط، قلعة الأكمه، قلعة برج صافيتا (القلعة البيضاء)، قلعة تخلة، قلعة القنطرة.
× مواقع معاد استعمالها في الفترة المملوكية والإسلامية 1303 – 1918:
سرستان، مجدلون، الشيخ فرج، مدافن جبل بونياح، دوارة الشيخ محمود الأسقف، قرية الصويري.
الخلاصة والاستنتاجات
إن وادي نهر الغمقة التاريخي بمجمله شهد استيطاناً بشرياً كثيفاً منذ العصر الحجري المتأخر وحتى الوقت الحاضر ومن أهم المواقع التاريخية المأهولة بكثافة يمكن تعداد المواقع الأثرية الكبيرة التالية التي لم ينقطع فيها السكن البشري المنتظم منذ العصور الحجرية وهي:
– حوضة نبع الغمقة الأساسي في حصن سليمان (قرية حصن سليمان).
– حوضة نبع عين الكبيرة، وادي أوبين.
– حوضة نبع الغمقة شمالي مدينة صافيتا التاريخية.
– الوادي بين تلة بيت زينب الأثرية (القنطرة) و بين تلة بلدة (تيشور).
– موقع رأس الشغري المتحكم بمصب نهر الغمقة في البحر.
يوسف صمودي