التغـــيب علــى عـــين الأهـــل والمدرســـــين

العدد: 9487

الأربعاء:11-12-2019

تغيب الطلاب عن صفوفهم الدراسية ظاهرة علنية تدون في سجلات الحضور والدوام وترقن دون مقاعد جلوس، وبواطنها تقرأ على الملأ دون جرس إنذار، الأهل من طرفهم لجانب ولدهم المصون وفي الدروس الخصوصية هو مشغول والعين (سهرانة لا تنام), والأم تصرخ (حرام خلوه ينام) والمدرس يأتي لواجبه الذي حلف عليه أغلظ الأيمان أن يصون الأمانة ويعتمرها بحس ومسؤولية ليكون طالبه من المتفوقين وخير مثال على حسن عمله وإتقانه، لكن أين هو هذا الطالب وذاك الأستاذ؟ 

الكل يشد اللحاف لطرفه وهو بريء وفي برود وغمام كلامه مبلول بحجج ومبررات، الطالب يتغيب وكذلك الأستاذ وقد يقول قائل من الطلاب إن مدرسهم أشار لهم ألا يأتوا للمدرسة، والمدرس يرد: لا طلاب في الصف، ليكون كلاهما في منازل للدروس الخصوصية ودون تأخر أو غياب.

 

* الشاب سليمان في السنة التحضيرية للبكالوريا (حادي عاشر) أشار بأنه لا حاجة له بالدوام في مدرسته ويريد أن يلحق برفاقه ويجاريهم بالدروس، فهو يحضر للشهادة وسوق الدروس الخصوصية في منافسة شديدة فقد لا يجد مدرساً له بعد اليوم، فالكل قد امتلأت جداول الدوام عنده لتغطي ساعات يومه كاملة، ولأجل ذلك يغيب فما نفع الدوام والحضور إلى المدرسة، والمدرس لا يمنحه كل ما في بنكه من معلومات وبنفس الجودة، دون فوائد معلومة من الطلاب تغنيه فيعيش ملكاَ ولا يؤاخذه مدير.
* السيدة نور أم طارق أكدت أن ابنها (صف تاسع) في العام الماضي كان قد سبقها للمدرسة وهي قد ذهبته لعملها بأمان الله، لتفاجأ بعد ساعات قليلة بصوت غريب من اتصال على موبايل يخص ولدها يخبرها بأنه في المشفى جراء حادث على الدراجة النارية، ويحتاج لعملية في رجله وتركيب صفائح لتحضر معها مبلغاً تحت الحساب، عندها الدم في رأسها فار ولم تعرف مسير قدماها إلى أن وصلت مدرسته وانفجرت بالصراخ على المدير والموجهين دون علم منهم لسبب هذا الهجوم غير المعلن، وبالتأكيد لم يكونوا ليسألوا عن غياب ولدها وهم منشغلون بالحديث ويحتسون القهوة والشاي، لكنها علمت منهم أن ابنها مستهتر ولا يصاحب غير أولاد السوء من خارج المدرسة وقد وجهوا لها شكواهم منه والإنذار ولم يلقوا منها جواب، كما أنها لم تأت للسؤال عنه يوماً ولم تحضر مجالس أولياء الأمور، فحملت ما بنفسها – بعد الاعتذار- إلى المشفى وكأن شيئاً لم يحصل، فقد هدأت وروعت خطبها حين رأته بالأوجاع، فصحته اليوم هي الأهم وسيكون له غد فيه الحساب ولن تنسى.
* السيدة رواد تروي حادثة ابنها غيث وكان في الصف الخامس منذ عامين، وقد تعرض للهبوط اضطرارياً على الأرض من ارتفاع سور المدرسة بعد خروجه وقت الانصراف، ليتغيب خمسة أيام ولم تجد أحداً يسأل عنه لا مدرسين ولا مدير، غير رفيقه حيدر الذي كان يأتيه بدروسه كل يوم.
* أم جنى أشارت أن معلمة ابنتها قد سألت في اليوم نفسه عن سبب تغيب جنى عن الصف لتخبرها بأنها مريضة ولا تستطيع الحضور، فهي متعبة كما أنها تخاف على رفيقاتها من العدوى.
* الأستاذ سامر معروف، مدير مدرسة الشهيد بسام نصر الكارة الابتدائية أكد أنه في التعليم الابتدائي الإلزامي لا توجد هذه الظاهرة والتغيب فيه قليل، لكن قد يفرض نفسه عندما توجد الأسباب والمبررات عند الطالب، ويكون حصراً بطلب من الأهل.
فما إن يدخل الطالب باب المدرسة ويكون ضمن سورها لا يحق له الخروج بغير إذن موقع من المدير، كأن يطلب أحد الوالدين ابنه لأمر ما عندها يحق له أن يأتي بنفسه ويأخذه وإلا لن يكون له ذلك فهو صغير ويمكن أن يتعرض لأي حادث أما إذا كان في الصف الخامس أو السادس فيمكن أن نتركه يعود للبيت بمفرده وبإذن مكتوب موقع بالاسم والتاريخ ليضعه بين يدي الآذن ليفتح له باب المدرسة، كما يحق له الخروج إذا ما طرأ على حاله أي طارئ أو ارتفاع الحرارة في جسده عندها نتصل بأهل بيته ليأتي أحدهم لأخذه، التغيب هنا حسب رغبة الأهل وعليهم المسؤولية.
* الأستاذة يسرى جوني، مديرة ثانوية، أكدت أن معاناتهم تأتي من طلاب البكالوريا كما كل مدارس المحافظة، حيث إن أغلبهم اليوم أصبح في عداد الغائبين، ولا يأتون للدوام بحجة الدروس الخصوصية، ويأتي المدرس إلى صفه ولا يجد أحداً، ويدعي أولياء أمورهم أن الأستاذ غائب كما أنه لا يعطيهم شيئاً ويقصر في عمله لأجل أن يركز على طلابه في البيت.
وتزداد حالات الغياب وتتكرر دائماً قبل فترة الامتحانات، وخصوصاً صف الحادي عشر أدبي وأكثرهم عنده غياب 8أيام متتالية وعند اليوم الخامس نستفسر الأمر عند الأهل وهم يبررون بحجج واهية، ولما نلزمهم بورقة أو إحالة صحية يأتون بها دون أدنى تفكير بعواقب غيابه المتكرر، وكانت إحداهن قد جاءتنا بإحالة طبية 9أيام وأردفتها بثانية وثالثة ولم رفضنا الرابعة وسألنا كيف لطبيب الصحة المدرسية أن يعطيها الإحالة ولم يكن بينها دوام ولو ليوم واحد ثارت علينا بالكلام، إن الإحالات المتكررة تشكل عبئاً كبيراً علينا.
أما الطلاب الآخرون المراهقون الذي يهربون من أبواب المدرسة أو لم يدخلوها في الصباح نتصل بأهاليهم ونعلمهم بأمرهم علنا نجد حلاً لأمر ولدهم، ويوجد في المدرسة موجهون وطلاب مراقبون، ونحن لا نريد أن نرضخ لأمر يبغونه هو الفصل، ولا يوجد بأيدينا غير ترقين قيده، كما أن معظم الطلاب في الإعداديات والثانويات يطلبون الأذن للانصراف بعد حصة أو اثنتين ولا يكون له ذلك بدون معرفة الأهل .فالأذونات لهم فيها مسؤولية كبيرة لا نعرف لهم منها مصير وهم المراهقون، كما أننا نلوم الأهل ولا نجد عندهم آذاناً صاغية ولا يأتي منهم إلا القليل لحضور اجتماع أولياء الأمور فقد حضر له هذا الفصل 30من الآباء لدي في المدرسة 450طالباً.
لنرتاح ونحن في جبهة المسؤولية والضمير حبذا أن يصدر قرار يلزم فيه طلاب البكالوريا بالدوام ولا يكفي ترقين القيد الذي يصبح فيه حراً وكله استهتار.
* السيدة منيرة أحمد، تربوية، أشارت بأن التغيب له مدلولاته بفقدان حلقة من سلسلة المعلومات التي إذا أراد الحصول عليها يبذل جهداً مضاعفاً، وبحكم عملنا وجولاتنا المتكررة على المدارس نرى في البعض منها اهتماماً كبيراً بغياب وتأخر الطالب لتبادر أسرة المدرسة بالتواصل مع أسرته لمعرفة السبب، وهذا الإجراء ضمن دورها التربوي الذي أنيط بها لتكون الحلقة متكاملة ما بين المدرسة والأسرة، وإن غاب أو تراجع هذا الدور سنكون أمام مشكلة تراكمية تؤدي من جهة الطالب للتسيب ومن الجهة الأخرى لانعدام الثقة وانقطاع روابط التعاون بين الأسرة والمدرسة، وقد نجد تجاوباً وتفاعلاً من الأسرة حين ورود اتصال لها بخصوص الأمر وتلقى المدرسة المساندة منها، ولكن الحالة التي نتخوف منها أن بعضها يعده نوعاً من التدخل في شؤون الأسرة كما ظهر في جواب والدة أحد الطلاب (ابني بالبيت ونحنا أحرار ومتل غيرنا الكل ترك المدرسة للفحص) هذا الكلام وبحضور الطالب له تداعيات سلبية كثيرة في نظرته للمدرسة وقلة احترامه للأسرة التربوية والاستهتار بدورها.
السيدة ختام بدور، علم اجتماع أشارت إلى أسباب تدفع بالطالب أن يتغيب منها: غياب رقابة الآباء ودلالهم وتمرده على أوامرهم بالإضافة للسهر على الموبايل والدردشة وانشغاله بالأصدقاء، انزعاجه من الاستيقاظ باكراً والصراخ في أذنه بعصبية، عدم رغبته بالتعليم وتقصده فيه بأن لا فائدة منه وماذا صار بالذين تخرجوا من الجامعات وقعدوا في البيت فلا جدوى من الذهاب ويمكن أن يقدمها مع الأحرار، انعدام المسؤولية وحس الالتزام عنده، ويمكن أن يكون كرهه لمدرس يضايقه أو مادة لا يحبها ولا يمكن له أن يحفظها ويجد صعوبة في التعلم، الخوف من العقاب بإهمال وظائفه وكسله، استهتار الطالب بمدرسيه أو ضعف المدير والموجهين في إدارة المدرسة، وأيضاً يمكن أن يرجع السبب إلى أسرة مفككة يعاني فيها الجفاف العاطفي والدفء والحنان أو أنها تحتاج لمعيل ليكون عليه العمل وجلب المال.
أما العلاج فمن الضروري أن نسرع فيه ولا يستهان بالأمر فقد يبقى خارجاً مع رفاق السوء في الشوارع والمنتزهات، ويكون مصيدة، وأول جرعة للشفاء اهتمام الأبوين وزيارة المدرسة والسؤال عنه والتعرف على أسرته التربوية، العمل على خلق بيئة مناسبة للدرس في البيت ومتابعته في الواجبات والوقوف بجانبه كل حين، غرس حب التعلم وتقدير جهود المدرسين، تفعيل دور المرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدرسة وشد الطالب إليهم كلما اقتضى أمره ذلك، ولا تكون المدرسة مركزاً للتعلم وتلقينه الدروس فقط بل عسى أن يكون فيها بعض الترفيه وغيرها من الفنون.

هدى سلوم – رندة حيدر- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار