الأطبــاء يشـكون ســــوء الحــــال مثلنــــا!

العدد: 9294

18-2-2019

 

(الأفضل يموت الواحد بعلتو) عبارة ينطق بها لسان كل مريض، حالت عنه الصحة وتفرد المرض في نفسه واستشرى بجسده، وناءت عنه السعادة وحسن المقام في هذه الدنيا الفانية، جال على أطباء اللاذقية المختصين بمرضه وغيرهم بغير اختصاص، وأكياس من علب الدواء بعضها يشبه بعضها لكن التشخيص يبقى بعيداً بين طبيب وآخر، وهو الذي يردد (ارمي هذا الدواء الذي ليس لمرضك وخذ هذه الوصفة أجدى وأنفع) وتكثر المزايدات بين الأطباء وتنهال على المريض الديون والقروض لأجل العلاج الذي لا يأتي ثمره في معظم الأحيان، ليخرج من دائرة مدينته ويقصد طبيباً بعد عنه بمسافات وسفر كان قد أعلمه ببراعته وخبرته بعض الأصدقاء وشهدوا له بحالات مرضية تشابه حالته ليشد وثاق رحلته ويعقد رباط حذائه, ليحط رحاله ويلقى ما كان في آماله من صحة وشفاء.
وفي كفة أخرى من هذا الميزان بعض المرضى يشكرون الطبيب الذي لاقوا الشفاء على يده ومن مدينتهم ولكنهم دفعوا في مشوار علاجهم الكثير حتى وصل بعضهم لآلاف مؤلفة بدأت بالمعاينة وبعدها المراجعات والتشخيص وفي كل مرة تزداد جراحاتها في الجيب والراتب المسقوم وتنزف بديون و(دعاتير) لكن (الصحة هي تاج على رؤوسنا وكنزنا في الحياة) ولأجلها يزهق الراتب وما ادخر في الجمعيات.
هذا حدث لإسماعيل منذ سنتين فقال: كنت أتوجع من بطني ولا أعرف الأسباب، داويتها بالأعشاب وأنا الذي أسكن في قرية مكتنزة بالأعشاب الطبية ورجال كبار أوصوني بها، لكنها لم تكن تنفعني وزادت حالتي سوءاً، وأصابني ما يشبه (الكريزات) وبت أغيب عن وظيفتي وأكاد أفقد رشدي عند اقتحام الألم لجسدي أينما وجدت، قصدت أطباء كثراً وفي كل مرة وكرة أتألم فيها وأقول: إني ميت لا محالة، ولم يفلح أي منهم بمعرفة العلاج والوصفة الصحيحة، لتتكدس بجانب سريري الأدوية التي حملتها وسافرت بها إلى دمشق وعندما رأى الطبيب ما حملته ضحك وسألني: لم كل هذا الدواء ولا منفعة منه؟ خذ هذه الوصفة وعد غداً لأراك، أقسم أن الألم انحسر وخفّ من أول حبة شربتها بكأس ماء، ولم يكن سعر علبة الدواء تلك غير بضع مئات من الليرات وأنا الذي كنت قد أخذت قرضاً وجمعية وصرفتها على المعاينات والمراجعات والدواء، إذ كلما راجعت الطبيب يأخذ المعاينة كما أول مرة.
غدير موظف ولديه بطاقة تأمين تخوله اللجوء للطبيب والكشف له دون أن يدفع ليرة واحدة، لكنه عندما قصد طبيب قلبية أخذت الممرضة الموجودة في العيادة رقم بطاقته ونالت منه ألفاً ليدخل غرفة الطبيب، وأمثالهما كثيرة على هذا الحال والمنوال، حتى أن فقراء يصرفون كشفية ومعاينات في العيادات الخاصة ولا يذهبون إلى المشافي العامة والمستوصفات، وإن ذهبوا يسألون طبيبهم زيارته في العيادة ويتأوهون من الكشفية وما يتبعها من مراجعات وتركات.
يا عبد المعين!
قصدنا نقابة الأطباء في اللاذقية والتقينا الدكتور غسان فندي نقيب الأطباء الذي كشف لنا عن تظلم يعانونه الأطباء إن كان في تسعيرة الكشف والمعاينة والمعالجة والتي لا تنصف أي طبيب منهم ولا فيها تقدير لأتعابه وقيمة أعماله، أو كان في ثقافة المجتمع الذي افتقد الثقة بالمشافي العامة وبعمل الطبيب فيها وحتى أنهم يتململون في مقعد انتظارهم لدورهم أما في أماكن أخرى لغاية التجميل مثلاً والتسلية فهم يصبرون ويجلسون لساعات دون تذمر ويدفعون عشرات الآلاف، ليقصدوه في العيادة ويدعوا أن لهم فيها العافية، وهنا يصرخون بملء صوتهم أن الكشفية تراوحت (1500-2500) ليرة بين طبيب وآخر، كما أن معظمهم بعد خروجهم من العيادة يأخذون الدواء ليومين ويقطعونه دون مراجعة الطبيب ويقصدون غيره من الأطباء لذات الأمر وعندها تتكرر المأساة والأوجاع ليرموا التهم جزافاً أن الأطباء عندنا (ما بيعرفوا شي) مع أن أغلب أطبائنا لهم (صيتهم) خارج بلدنا ومعروف عنهم براعتهم وإبداعهم، ونتيجة لذلك فإن محافظتنا بات ينقصها الكثير من الاختصاصيين مثل أمراض الدم والعصبية والجراحة الداخلية فقد هاجر أطباؤنا حتى منهم من وصل الصومال للبحث عن رزق وعيش.
الطبيب يمضي أكثر من نصف عمره في الدراسة والبحث، والنصف الآخر في نيل الخبرة واكتساب المهارة وله مكانته في باقي الدول وسائر الشعوب عندهم الاحترام والتقدير.
الطبيب مواطن كغيره من المواطنين الذين يعانون الغلاء وسوء الحال، حيث زادت عليه الضرائب وارتفعت تكاليف الحياة، من آجار العيادة وتجهيزاتها ولوازمها من المواد حتى الفواتير والترتيبات وغيره للزوجة والأولاد، الأمر الذي دفعه بعدم الالتزام بالكشفية التي أتى بها آخر قرار تنظيمي(500-700) صدر عام 2005 وفيه يجب التعديل كل ثلاث سنوات، لكن لم يحصل ذلك وبقي الأمر على ما هو عليه طيلة هذه السنوات التي تغير فيها كل شيء ولم تتغير كشفية الطبيب.
وأشار الدكتور فندي أنه لم تصله أي شكوى إلى اليوم فقال: لم يقدم إلى مكتبي أحد من الناس شكوى بأن الطبيب فلان تجاوز تسعيرة الكشفية أو وصلت لأضعاف،

هـدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار