أيــام الذهـــب واللولــو.. غنـّوا و«زغردولـــو»

العدد: 9294

18-2-2019

 

هذا حال جمال الذي انتظر طويلاً ليخطف حبيبته، وقد كان فيما مضى من أيام الرغد واللولو يأتيها بهداياه الذهبية كلما أراد زيارة بيت والدتها وهو يسكن في حمص، وكانت تستقبله (حماته) بالتهليل والترحيب وترفعه على كفوف الراحة وتغدق عليه بالدلال، لكن جاءت الحرب البغيضة والتحق جمال بصفوف رجال جيشنا الأشداء إلى جبهات القتال، عندها خفت العلاقة بين الحبيبين وجفت لبضع سنوات وكان البيت وزاده وماله قد هدر ودمر ولم يبق بحوزته غير قلب محب، سبع سنوات مرت على خدمته وتكشفت عنها آلام حاول امتصاصها لأجل حبيبته التي بقيت على عهدها له وتكابرت على الظروف والأحوال وعاندت والدتها ولم ترض فك الخطوبة وحتى أنها حافظت على صيغتها وذهبها، وعندما عاد من الحرب بيد واحدة والأخرى بترت من المعصم وتسرح لم يلق من والدتها غير الكره والألم من قسوتها التي تريد الذهب والمال لزواجه بابنتها وهو ما لا قدرة له عليه عندها قرر وخطيبته الفرار والزواج والسكن بالأجار بعد أن باعت خطيبته صيغتها ومكنته من إحضار بعض الأثاث والحاجيات.

كل صباح نسمع دوي ارتفاع أسعار الذهب بجنون ليصل لأرقام قياسية غير مسبوقة (ليتريح) الذهب الروسي ويتفسح أسواق اللاذقية، وانكماش فرص (ذهبنا) في المبيعات وخسارته هو كان أحد الأسباب في زيادة العنوسة بين الشباب حيث أشار أحمد بأن عمره تجاوز 48 سنة ولم يقدر أن يجمع تكاليف الخطبة فقال:
أنا موظف بسيط بشهادة ثانوية أحببت فتاة ووعدتها بالزواج، لكن لم أقدر أن أشتري لها الذهب يومها وكان بألف فكيف باليوم وراتبي لا يمكنه شراء اثنين غرام منه؟ ألا يمكن أن نتخلى عن عادات خلفها هذا الزمن وشرد شبابنا؟ وأسمع عن شباب يشترون بضع غرامات من الذهب مساء لإتمام مراسم الزواج وفي الصباح يعيدونه، أليس في ذلك سخرية وقلة حيلة، يحملوننا أكثر مما نستطيع ولا طاقة لنا به، و كشفوا لنا حلاً آخر بالذهب الروسي، وأكثرهم وافقوا وكان لهم الزواج الميمون، لكني لا أستطيع أن أكذب على الناس وأقول: إني اشتريت ذهباً وهو ليس بذهب ويمكن (تنك) زادوا في تلميعه وتسليفه كما ناس هذا اليوم، وحتى لو رضيت الفتاة بهذا الذهب فأنا لا أرضى لحبيبتي به، ولو بقيت الدهر أعزب.
على الرغم من وجود أكثر الأسر في اللاذقية تحت خط الفقر، فما زالت بعض صدور نسائها تتزين بالمصاغ والمجوهرات مع الترف الذي تتحلى به مساءات اللاذقية وتسيطر على لياليها.
فالسيدة مها من أسرة (أكابرية) كما قالت ترى أنه من المعيب أن يسمع بها أحد بأنها تشتري اليوم مجوهرات فالصو، ولطالما كانت بنت عز وجاه وعيلة، باعت معظم مجوهراتها وذهبها لأجل السهر والمطاعم ولأجل الأولاد فلا يحسون بأي ضيق مادي، كما أن زوجها سافر إلى الغربة ليؤمن لهم بعض العيش الكريم، وقالت بأن عشقها للذهب كبير وتجد فيه شخصيتها وقوتها وحياتها إذ يشعرها بالأمان والجمال والأناقة لتكون تمام التمام.
صبا فتاة جامعية قالت: لا نستطيع شراء الذهب الأصلي ونحن طلاب وليس بيدنا غير مصروفنا، كما أن راتبا والداي بالكاد فيهما رمق العيش وتكاليف الدرس والحياة، لهذا أحاول أن أدخر بعض المال لآتي كل سنة أو أكثر لأشتري قطعة حلي من الذهب الروسي، الذي يتمتع بصيغ فنية جميلة وتطغى عليها الموضة والتجديد.
أما والدتها منى، موظفة لا توافقها الرأي حيث قالت: رحم الله والداي، يوم كان الخير كثيراً ليبيعا الغلة ويجلبان لي ولأختي الأساور المبرومة والسلاسل مع الأقراط، كنا نلبسها ونزين صدورنا ويسطع بريقها في أيدينا لتزيدنا حسناً وبهاء، ويوم تزوجت كان معي ما يقارب الكيلو وحافظت عليه لمثل هذه الأيام العصيبة (الذهب زينة وخزينة) بعته ولم يعد لدي غير سوارين، أدخرهما لزواج البنتين، وتابعت: كل يوم كنت قبل الحرب أقف أمام واجهات محلات الذهب ولما أجد منها ما يرضيني ويصل قلبي قبل عيني كنت أشتريه فوراً، أما اليوم لم أقصدها غير يوم بعته، لأقف مع ابنتي أمام واجهات محلات الفالصو.. عجباً لهذه الأيام..
150 محلاً لبيع الذهب في اللاذقية، لكن الورش الصناعية قليلة جداً، وكان أن وصل سعر الذهب عيار 24 إلى 21257 ليرة سورية لأسباب سياسية واقتصادية وغيرها كما أن معظم المصممين والعاملين في صياغته استقطبتهم الدول المجاورة لجودة صنعتهم وفنهم، ليكتسح سوقنا بالمعادن الرخيصة ولا يمكن أن يقال أنها ذهباً ( ليس كل ما يلمع ذهباً) ..
وهو ما أشار إليه أحد الصاغة في سوق الذهب فقال: ما ترينه في محلات الذهب الروسي مجرد إكسسوار مصنوع من معادن لا قيمة لها ولا سعر، إنها مجرد وهم تشترينه ببضع مئات أو آلاف وترميه متى شئت، لكن الذهب ولو أسعاره كبيرة لا يمكن الاستغناء عنه، وقطعة واحدة صغيرة تغير شكل وداخل أي امرأة وحتى زوجها ينعكس عليه إيجاباً، واليوم البيع أكثر من الشراء، فالأسعار في تأرجح وترنح كل يوم بسعر..
ويرد أحد أصحاب محال الذهب الروسي وقد تسمرت الضحكة على وجهه وجلجلت بالمكان الذي اتسع بعشرات الشباب: مسكين .. يا حرام ولى زمن الذهب وسيطر الذهب الروسي، ولا يمكن لأحد أن يميز الذهب الأصلي عن الروسي فهو صنع بفن وإتقان، كما أنه صب بنفس قوالب الذهب ليكون على سويته، وغير خبير لا يمكنه فك شيفرات التعرف عليه..
انظري أرجوك حولك داخل المحل وخارجه، ألا ترين كم هم مقبلون وأيضاً فرحون، هؤلاء الشباب علقت عيونهم على (دبل ) الخطوبة ولديهم خيارات واسعة من الأحجام والأشكال وحتى الألوان، فيها الشكل الهندسي والأحجار وقد لاقت استحساناً وشعبية واسعة عند أكثرهم ولا تكلف صيغة العروس غير ما يمكن أن تنفقه على دبلتين من سوق الذهب، الفتاة تكيفت مع الوضع وأقنعت نفسها بالتجمل والتزين وأشبعت رغبتها بحلي من الذهب الروسي لتحل أكبر مشكلة عند الشباب والموظفين جميعاً.
هنا لا يمكن أن ننسى الوقفة المشرفة لسيدات سورية اللواتي بعن صيغتهن وذهبهن لأجل الحفاظ على قيمة الليرة السورية ووقفتها في وجه الدولار صامدة وكلها عز وبطولة قوية ذهبية أصيلة وأصلية.
عرفت البشرية منذ 5 آلاف سنة فوائد الذهب العلاجية في تنقية العقل والروح والجسد، فكما أن فيه مخزون جيد للجسم من المعادن أيضاً هو أكسير الشباب، حيث رجع قناع الملك توت غنج آمون من الذهب الخالص إلى أسواق التجميل، والقرويون في الصين يطهون الأرز مع عملة ذهبية، وحتى المطاعم الفاخرة تضع شريحة عيار 24قيراطاً من الذهب في الطعام أثناء تحضيره، أما نحن فالجميع يعلم بالحال خليها مستورة.. ولا مستوردة.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار