العدد: 9293
الأحد-17-2-2019
شابان (عشرينيان) يعبران الأوتوستراد بعد دوّار عدن، فإذا بسرفيس يخرج من النفق وبسرعة ثور هائج يجر بقرنيه أحدهما ويرميه عشرات الأمتار كطير رمي برصاص ليقع أرضاً خامد الأنفاس، أقف وقد تسمّرت قدماي في المكان، لم أستطع الحراك خلفاً أو إلى الأمام، لم يسترع المشهد أحداً غير رفيقه المسكين الذي بدأ يصرخ بجانبه ويستجير حتّى التفّ حوله الناس، عندها أفقت من صدمتي وتابعت المسير، الحادثة التي مثلت أمام ناظري منذ سنة ونصف السنة لم تبرح خيالي، الصور والعبر كثيرة لكننا لا نعتبر فمنذ أيام أيضاً وعلى أوتوستراد المشفى دهست سيدة على مرأى من أطفالها الذين انكبوا عليها بالبكاء!
لا أعرف لماذا يفضل الناس تجاوز الطرقات ويواجهون بأجسادهم حديد السيارات بسرعات جنونية مع أن الأنفاق والجسور لا تبعد عنهم بضعة أمتار؟
لدينا الكثير من الأنفاق والجسور وبنفس التفصيلة والطراز بشكل هندسي واحد لا يسر العين ولا الخاطر، ولا فيها فن ولا إبداع كما هو الحال في كثير من البلدان.
«المرجلة» على المشاة الضعفاء
وقفنا نراقب الناس أثناء خروجهم من مشفى تشرين الجامعي، وكان معظم شبان من طلبة الجامعة تسلّقوا الحواجز الحديدية كهواة وطاروا فوقها إلى الطرف الآخر، مع أنّ جسر عبور المشاة لا يبعد غير خمس خطوات، فلمَ هذه المخاطرة التي تزهق فيها أرواح؟ وكلنا يعلم أن سائقي المركبات عندنا لا يقفون ولا يخففون من سرعاتهم ويسترجلون على المشاة الضعفاء الذين يقفون أمامهم عراة بنظراتهم يستحدون العبور لكن الرجاء يخيب عند أغلبهم.
وبعد مفرق حي الأوقاف يوجد نفق للمشاة وآخر للسيّارات لكن الناس ترغب بتجاوز الأوتوستراد بحاراته الأربع دفعة واحدة، شخصان من النفق يأتيان فتراهما يقفزان بنظراتهما ذات اليمين وذات اليسار ويلاحقان بها السيارات يرجونها تخفيف السرعة التي هي حقها في الأنفاق.
نلتف على كل حل بحيلة
وعلى جسر المشفى العسكري المقابل لمديرية الثقافة يفصل شبك حديدي بين الطرقات، لكن هيهات أن يصعب علينا شيء فلدينا لكل مشكلة حل وحيلة نلف عليها طوق نجاتنا من كل أمر صعب، حتى إنّ الكبير بالعمر هو قدوتنا تراه ينفذ من (خرم) شبك الحديد، ونحن على خطاه نسير، كيلا نسير بضع خطوات إلى جسر المشاة فذاك علينا عسير.
بائع الحظ فوق جسر صدئ
والجسور لدينا لا معالم لها ولا لمسة فن فيها، لون واحد ومن معدن واحد وطول لا يتجاوز بضع عشرة أمتار، وعرضها متران فقط، وعندما تترنح أرض الجسر تهتز أوصالك، كما أن ثقوب الصدأ فيها كاشفات لما يجري على الطرقات، غير أن لبعضها قبب وواقيات وغيرها مكشوفة للهواء الطلق وحر الصيف وأمطار الشتاء.
وهنا تخلد إلى نفسك قليلاً بعيداً عن (عجقة) الناس وهموم الدنيا، وتنسى ما ينغص على عيشك وتهرب بعيداً مع الأحلام فلا أحد يمر على الجسر وأنت وحدك فوق، حيث تراهم صغاراً تراقبهم وتضحك لملامح وجوههم وطريقة مشيهم حتى إنك تجد بينهم من يكلم نفسه، هذا ما تحدث عنه السيد رضا بائع يانصيب، الذي وجد في مطية الجسر حديقته ومكان استجمامه.
أبو جورج- سائق تكسي قال: أغلب حوادث الدهس ناجمة عن إغفال المواطن لممرات المشاة، وعدم التزامه بإشارات المرور، وعلى الرغم من وجود الأنفاق والجسور إلا إنه لا يتعب نفسه باللجوء إليها ويعترض سير السيارات في عبوره الطريق، ويفعل الأمر نفسه على الأوتوستراد متحدّياً الحواجز الإسمنتية والحديدية، ويتمتم: كل ذلك ويضعون الحق على السائق.
الشاب ماهر كنا قد استلقيناه بعد أن قفز على الحاجز الحديدي وعبر الأوتوستراد سألناه: لما لا يستخدم الجسر القريب جداً منه رد متسائلاً أين؟ لم أره ولم أنتبه إليه.. ثم عاد وقال: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
السيدة علا تمسك بيد طفلتها وتتسلق درجات الجسر أشارت إلى أنّها يومياً تقصد الجسر لتتجاوز الأوتوستراد وتصل بيتها بأمان، وهي لا تخاطر بحياة طفلتها، فالسائقون لا يرون أحداً أمامهم ولا يخففون سرعتهم لأجل أن نعبر الطريق، وتلتفت إلينا قائلة: تجدين الكثيرين يقفون طويلاً لأجل أن يخترقوا جدار الزمن كما جدار الطريق.
أقسمت الأيمان ونكصت
الشابة رشا- جامعية اعترضنا طريقها وسكبنا عليها من سؤالنا بعد أن قلنا لها أحسنت لاستخدامك النفق ولست كهؤلاء الذين يقطعون الأوتوستراد دون إشارة تنبيه وما أكثرهم، فزمت شفتيها بفتور عن أن والدتها أوصتها بذلك وقد أقسمت لها اليمين، وإلا فهي تحب المخاطرة وركب المغامرة، وبالتأكيد لن تخاطر وتمر إلا بعد أن تتأكد بناظريها خلو الطريق من السرعات وبعد السيارات لحدود الأمان.
بوصلتها الإشارات والمعابر
السيدة سهام تقف على حافة الطريق جانب إشارة المرور ليقف السير وتعبر الطريق بأمان، أشارت إلى أنّها لا تستطيع صعود درج الجسر فهو يزيدها ألماً لمعاناتها من مرض عضلي، لهذا هي تقصد مكان الإشارات الضوئية وتنتظر الإشارة الخضراء لتعبر الطريق، وبعدها يمكنها أن ترجع على الرصيف الموازي تنشد المكان الذي تقصده وتصله بأمان.
أبو نبيل فوق الجسر تتقهقر خطاه قال: لقد تعبت من صعود الدرج وصحتي ترهقني، لكن ذلك أفضل من عبور الطريق حيث لا أمان له، انظري لهؤلاء الشباب الذين لا يأبهون ووسط السيارات المجنونة يسيرون، تغيب عنهم ثقافة السلامة المرورية، ومنهم من يقفز على الحاجز الحديدي، وآخر يتحدث على الموبايل، ولا يرى أمامه ولا يسمع صفّارة إنذار من صاحب السيارة، وتسمعين الشتائم والسباب كل حين، يفضلون ركوب أمواج الخطر على الجسر أو النفق حتى إن السائقين لا يتوقفون لا مطر ولا شمس، لا يهمهم ما يعانيه المشاة ولا يعنيهم في شيء، فما الحل الذي يرضي الجميع برأيك؟ يسأل ويجيب: (القوانين).
الحق علينا ولو كان معنا
سائق تكسي أكّد أن كل ما يصيب الشخص الذي يعترضنا في الطريق نكون سبباً له حتى وإن كانت الإشارة حمراء، كما أن هناك تقصيراً من الجهات المعنية بممرات المشاة التي غاب عنها الطلاء، ومعظمها مفقود في الشوارع والطرقات التي تشهد حركة كبيرة مما يتسبب بوقوع الحوادث والآلام.
هدى سلوم