طرطــوس «انترادوس»

العـــــدد 9472

الأربعـــــاء 20 تشرين الثاني 2019

 

عرفت (بنت أرواد) كمدينة فينيقية هامة، فقد كانت وما تزال تشكل موقعاً بحرياً ندر مثيله في شرق المتوسط، فأنشئت (الدولة الأروادية) فيها عدداً كبيراً من المرافئ التي كانت بحكم طبيعتها الصخرية موانئ طبيعية، وأصبحت فيما بعد من أهم المرافئ الرومانية في شرق المتوسط، كما يمثل مرفأها الآن، مرفأً استراتيجياً رئيسياً في المتوسط، يضاف إلى موقعها البحري، كونها على حدود سهل عكار الخصيب وتسيطر على الفتحة الوحيدة في جبال الساحل من تركيا حتى فلسطين، والتي تربط البحر بمدن الداخل عن طريق حمص.

التسمية
في القرن (12 ق.م)، أسسّت (بنت أرواد) فينيقو أرواد كمستوطنة على البر باسم (كارنة) وأنشأوا فيها عدداً كبيراً من المرافئ ومراسي السفن بسبب موقعها الطبيعي الملائم وهي (الطاحونة، الشرمبة، ميناء شمالي، مربط حسينّات، مرسى جنوبي، مرسى البلدية، ميناء داخلي، مرسى خارجي).
* في العهد اليوناني عرفت باسم (انتي- أرادوس) أي مقابل أرواد (أرادوس)، وأصبحت من أهم مدن الساحل السوري بحدود القرن (2 ق.م).
لمحة تاريخية
* بعد الاحتلال الروماني للشام عام (64 ق.م)، استخدمت كمستودعات لتخزين السلع والأخشاب الآتية عن طريق البر.
* مرّ بها الرسل في طريقهم إلى اليونان وروما، ويذكر التاريخ أنّ (القديس بطرس) أقام فيها ذبيحته الأولى، في الكنيسة المعروفة باسمه، والتي جددها الصليبيون في طرطوس القديمة، وقام الأمبراطور قسطنطين بتجديد بناء المدينة عام (346)م، وأطلق عليها اسمه فعرفت بـ (كوتستانيا) لفترة قصيرة، عادت بعدها إلى اسمها (انتي أرادوس).
* في عام (638م) فتحها العرب في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بقيادة عبادة بن الصامت الانصاري، واستقرت فيها قبائل عربية من (كندة- اليمن) إضافة إلى سكانها العرب الكنعانيين.
* في عام (28هـ) انطلق الأسطول العربي الاسلامي لفتح قبرص واهتم بها (معاوية بن أبي سفيان) وأصبحت أهم ثغر عربي على شاطئ المتوسط.
* أعاد الإمبراطور البيزنطي (نقفور) احتلالها، لكن (الفاطميين) حرروها بعد ثلاث سنوات.
* صمدت في وجه الاحتلال الفرنجي (الصليبي) الذي احتل (أرواد) عام (1099م)، وأخذ يهاجم (طرطوس) إلى أن احتلها (صليبيو تولوز) بالحيلة، وأطلقوا عليها اسم (تورتوسا).

 

* حررها العرب بقيادة (ابن عمار) أمير طرابلس، وقد أدرك كل من العرب والفرنجة أهمية (تورتوسا) فلم تحصل اشتباكات كبيرة مع (السلجوقيين) إلاّ من أجل طرطوس وجبلة وعكا.
* أعاد الفرنجة احتلالها عام (1107م) ودعموا أسوارها لتصبح أعظم قلعة على شاطئ المتوسط، وقام (بلدوين الثالث) بمنحها لـ (الفرسان الداوية، الهيكل أو المعبد) فأقاموا مقر قيادتهم فيها.
* في عام (1188م) حاصر (تورتوسا) السلطان صلاح الدين الأيوبي واحتل الأسقفية (متحف طرطوس حالياً)، ولم يستطع تجاوز الأسوار الداخلية كحصن الفرسان نظراً لارتفاع السور الهائل ووجود خندق مائي حولها (كما سيجيء)، فتركها.
* في عام (1191م) حاصر (تورتوسا) القائد عماد الدين تحت إمرة السلطان الأشرف.
* في عام (1302م) طردت (الاسبتارية) منها نهائياً على يد السلطان المملوكي (قلاوون الألفي) ولابد من الإشارة إلى التضحيات الكبيرة والباسلة التي قدمها شعب هذه المحافظة في مقاومة الغزو الصليبي واتصالهم بـ (عماد الدين اسماعيل) حاكم حماة لمقاومة الصليبيين، وقد خّلد شعب الساحل هؤلاء المناضلين العظماء بمقامات وأضرحة ما زالت تُزار حتى اليوم.
* في عام (1516م)، بعد احتلال العثمانيين للشام، أصبحت (تورتوسا، قصبة) تعداد سكانها (2000) نسمة تابعة لـ (سنجق طرابلس) وعرفت باسم (طرطوس)، إذ نتيجة للصراعات المستمرة أيام الفرنجة قبلهم وبعدهم، والإجراءات القمعية والممارسات التركية، حيث أُبيدَ قسم من السكان وهجرها القسم الآخر فلم يبق فيها أحد، فتحولت إلى منطقة مهجورة.

 

* استخدمت كموقع عسكري عثماني حتى منتصف القرن (19م) ولم تكن (طرطوس) مأهولة إلا من قبل بضع عائلات، ومع الهجرات من الداخل السوري إلى الساحل في القرن التاسع عشر، استقرت فيها بعض العائلات المسيحية إلى جانب بعض العائلات المسلمة التي تعود في أصولها إلى (عائلات أروادية) وبعض العائلات التي نزحت من قلعتي الكهف والخوابي وبضع عائلات مصرية جاءت مع (إبراهيم باشا) واستقرت هنا، وحتى وقت قريب (منتصف القرن الماضي) كانت تقتصر على حيين: حي (خراب إسلام) وحي (خراب مسيحية)، وتشير كلمة خراب في الحالتين إلى وضع المدينة المحزن.
* على الرغم من قرب الساحل السوري من مركز السلطنة العثمانية، فإنّ السكان قاموا بعدة انتفاضات ضد الاحتلال العثماني، مما دفع السلطان العثماني إلى إصدار فرمانات خاصة بمنطقة طرطوس تقضي بملاحقة السكان وفرض مزيداً من العقوبات، حتى اضطر أخيراً إلى إعطاء المنطقة حكماً ذاتياً.
* في عام (1832م) ومنذ دخول (إبراهيم باشا) سورية قادماً من مصر، لم تستطع (السلطنة العثمانية) بسط سلطانها على المنطقة حتى عام (1840م).
* في عام(1844م) تمرد السكان ضد ضرائب (إبراهيم باشا) فقاموا بانتفاضتهم ضد العثمانيين فاحتلوا (سراي اللاذقية) وعزلوا الوالي العثماني وهزموا القوات العثمانية ضدهم، فرفعت عنهم الضريبة حتى عام (1858م).
* في عام (1916م) قام الشعب بتأييد (الثورة العربية الكبرى) بقيادة المجاهد الشيخ صالح العلي فدمّر القوات التركية في بلدة النيحا- وادي العيون (شرق الشيخ بدر) حيث قتل(90) تركياً وأسر ما تبقى، وحرر بانياس والساحل، وشكل إدارة وطنية في بانياس قبل وصول جيش الثورة العربية بوقت طويل.
* في أيار(1919م) انطلقت من طرطوس أول ثورة ضد الاحتلال الفرنسي، وكان الفرنسيون قد احتلوا «جزيرة أرواد» عام (1915م) ونزلوا على الساحل السوري في 8/11/1918، وفي 15-17/11/1918 عقد اجتماع في الشيخ بدر (قرية المريقب)، ضم زعماء الجبل وبعض رجالات اللاذقية وحمص وحماة وعكار وطرطوس بقيادة «الشيخ صالح العلي» قرروا على إثره الثورة على الفرنسيين.
* في آذار(1919م) هاجم الفرنسيون لشيخ صالح العلي في محاولة للقضاء على الثورة في مهدها، فواجههم الثوار والأهالي وانتصروا عليهم في معركة الشيخ بدر الأولى حيث قتلوا (25) فرنسياً وأسروا الآخرين وكذلك في معركة الشيخ بدر الثانية حيث قُتل (20) فرنسياً، وجاءت معركة بيدر غنام لتنقل الثورة من حالة الدفاع إلى الهجوم، إذ خسر الفرنسيون مئات القتلى و(116) أسيراً، وأسقط الثوار ببنادقهم طائرتين فرنسيتين، وهاجم الثوار قلعة المرقب في 29/6/1919 التي ظلت قلعتها بيد الثوار حتى انتهاء الثورة، ثم المريقب في 21/7/1919.
* تجمع الثوار من حماة ومصياف وحمص، وقامت اتصالات بين رجال الثورة العربية والشيخ صالح العلي تم بموجبها إمداد الثورة بالسلاح وبعض الضباط لقيادة المعارك وتنظيمها، وتقابل الشيخ صالح ووزير الحربية يوسف العظمة في قرية السويدة، وتم التنسيق بين الطرفين، وعند تسرب معلومات عن تحضيرات فرنسية في مدينة طرطوس لمهاجمة الشيخ بدر معقل الثورة هاجم الثوار الجيش الفرنسي في طرطوس، والتحموا معه في السلاح الأبيض، وتمكنوا بمساندة سكان المدينة من تنظيف طرطوس من الفرنسيين الذين فروا إلى البواخر تاركين ورائهم القتلى والجرحى والأسرى، وانسحب الثوار رأفة بالمدينة التي بدأت البوارج الفرنسية تقصفها من البحر، وقرر الثوار تحرير الجبل بالكامل، فطوقوا القدموس وحرروها في 3/4/1920 وقلعة الخوابي في 25/5/1920 وبانياس والدريكيش في 3/6/1920، ولم تسفر مراسلات الجنرال الانكليزي (اللنبي) مع قائد الثورة نتيجة لرفضه الصلح مع فرنسا، وبعد دخول الجنرال غورو دمشق وانقطاع الإمدادات عن الثورة، قاد غورو بنفسه جيشاً على طريق مصياف، وانطلق آخر من اللاذقية وثالث من طرطوس وهزم الثوار غورو شرق الشيخ بدر وطاردوه حتى مصياف، إلاّ أن وصول إمدادات فرنسية، وسقوط الشيخ بدر التي بقيت بدون حامية أدى إلى خسارة كبيرة، فاتجه الشيخ صالح العلي إلى قرية بشراغي ولكن الخسائر الفادحة في معركة جبلة والتي كانت كميناً فرنسياً، ونقص الذخيرة، جعل الشيخ يُفكر في أخذ استراحة المحارب ويخفف من أعباء الاعتداء الفرنسي على القرى والأهالي (كان يقوم بذلك بعض الخونة بالادعاء أنهم ثوار)، بعد أن استمرت الثورة ثلاث سنوات ونصف من النضال الوطني.
* أصبحت طرطوس قضاء تابعاً لدولة اللاذقية ومركزها اللاذقية.
* في العام (1943) نجح في الانتخابات النيابية السورية (البرلمان) عن قضاء طرطوس كل من (رياض عبد الرزاق- حامد محمد المحمود).
* في العام (1947) مثلها في البرلمان (أنيس محمد اسماعيل- رياض عبد الرزاق) وكذلك الأمر في عام (1949).
* في العام (1954) مثلها في البرلمان (رياض عبد الرزاق محي الدين مرهج).
* في العام(1961) مثلها في البرلمان (رياض عبد الرزاق، بديع أنيس اسماعيل، محي الدين مرهج).
في العام (1950) طالب نائب صافيتا د. عبد اللطيف اليونس في المجلس النيابي بأن تكون طرطوس مركز محافظة تضم الأقضية التالية (صافيتا- تلكلخ- الدريكيش- الشيخ بدر) وافق عليها البرلمان ولكن دكتاتورية الشيشكلي أهملت الموضوع، ثم كرر الطلب عام 1955 بأن يكون قضاء طرطوس مركز محافظة تضم الأقضية التالية (صافيتا- الدريكيش- الشيخ بدر- بانياس) وافق عليها البرلمان ولكن الصراعات العربية- العربية أهملت الموضوع، ثم كرر الطلب عام 1957 وأهمل الطلب بسبب الوحدة السورية –المصرية وحل البرلمان ثم كرر الطلب عام 1962 إلى أن أبصرت المحافظة النور عام 1969م، ومؤخراً خصها الرئيس الأسد بكرمه ومنحها جامعة فله جزيل الشكر والتقدير.
* تقلّد الوزارة من أبنائها (محمد الأطرش، محرم طيارة-عبد الستار السيد- مفيد عبد الكريم- محمود السيد- محسن بلال- محمد عبد الستار السيد) وأبناؤها متعلمون ويعملون في صيد السمك وفي السفن وفي المهجر وفي التجارة و..، ونبغ فيها عدد من الأدباء والمفكرين والشعراء منهم (د. عبد اللطيف اليونس- نديم محمد- إبراهيم منصور- عبد العزيز دقماق- على محمود إبراهيم..) وآخرون لامجال لذكرهم الآن.

د. نزار يونس

تصفح المزيد..
آخر الأخبار