دخـــــّن عليهـــــا تنجــــــلِ..

العدد: 9472

الأربعاء:20-11 -2019

نسمعها كثيراً بين المدخنين كباراً وصغاراً، حيث يكون قد ارتفع سعير الحياة ولظى أسبابها بهموم وأوجاع إلى ما لا يطاق، وعجز بالجبر والحساب عن ستر الحال، لتحرق ما في الجيب من نقد وأوراق، وليس بيده حيلة بل فتيلة من قداحة أو عود ثقاب يشعل سيجارته لتوهج دفئاً وسلاماً عليه كما (بائعة الكبريت) يحرق الأنفاس بتبغ لا مضغ فيه يسمن من جوع ولا يشبع الأولاد، ليكون رماداً يوقد تحته جمر هذه الأيام وسحاب دخانها يعمي البصيرة عن السؤال ولو كان به حاجة وخصاصة أمام ارتفاع صرف الدولار والذي بشره كل يوم يستطير.
جميع مراكز بيع الدخان والبائعين بالدكاكين ومن حاولنا بسؤالنا عليه أن نعرف أسعار أصناف الدخان وأنواعه كان قد امتنع وتمنع عن الإجابة ولم يكن لديهم تصريح غير أن السعر ينبع من عند الشركات والتجار الذين يتابعون نشرات صرف الدولار. فما كان لنا جواب شاف إلا عند من يشتري خبزه اليومي..
بائع خضراوات يجلس على (تنكة) في الرصيف، لفافة الدخان في فمه وهو يتحدث وينتقي باقات من البقدونس والنعناع للزبون، ولما فرغ من بيعه سألته عن نوع دخانه فقال: (أليغانس) بـ 350ليرة وكل يوم هي بسعر وحال جديد كزوجتي التي تندب وتشتكي (ليس في البيت خبز لكن يوجد دخان) أعرف أنه السمّ القاتل الذي سيقضي علي وأعلم أني مقصر في تلبية حاجات البيت، لكن هذه الأيام صعبة وليس بيدي صنعة وليس عندي أرزاق، فلا متنفس لي غير التدخين وبيع الخضار (نفخ على نارك وانتبه لأصابعك تنحرق)، ولو أصبحت الباكيت بألف ليرة سأشتريها ولو بقيت بدون غداء وعشاء.
وجاره في الصنعة ونفس الحال والمنوال أشار بأنه يدخن منذ أكثر من ثلاثين سنة وصحته عال العال، إلا من ارتفاع في الضغط والسكر عنده بتقلبات، ولا شيء يستطعمه في الدنيا غير هذا الدخان، لم يكن يبدل دخانه (مالبورو) أيام العز والوظيفة والجاه لسنوات، لكنه يبدلها كل يوم في هذه السنوات الظالمة وحسب السعر، كل يوم يأتيهم دخان بتسمية جديدة يحب أن يتذوقها وتكون بسعر خفيف، لكن أقلها اليوم ما فوق المئتين، ويحتاج في اليوم الواحد لثلاث (بواكي) أي حوالي سبع مئة ليرة كل يوم والحمد لله مستورة، يقول: ألبي بعض حاجات البيت والأولاد وأحاول أن يكون لهم كل شيء يطلبونه، وبنفس الوقت أدخن على هذه الحال وأنفث غضبي وهمومي بلفافة تبغ ولو كانت بحرق وشق الأنفاس، لا أستطيع تركه والابتعاد عنه فهو مفتاح سعادتي، حاولت مراراً التخفيف منه والابتعاد عنه لكنه لم يتركني ويشدني إليه بأوجاع (يا محلا نارو).
السيد وليد، مهندس وأب لثلاثة أولاد يدخن تبغ عربي، عند سؤالنا له لماذا يدخن وكما يحتاج من راتبه، رد بسؤال: ما رأيك أن أحدثك عن مضار الدخان، ومن لا يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب ويتلقنها ويتلقفها عن مغلفها (التدخين ضار بصحتك) وأشار بأنه في أيام العزوبية وهو في بيت أبويه كان يدخن أجود صنوف الدخان الأجنبي (كنت ومالبورو) ولما تزوج كان الأخف منه ثم الأخفّ كلما ضاقت الدنيا به وضيقت عليه الخناق ليس من دخان سيجارته بل من دخان نار حاجاتها التي استوى منها الفؤاد، ليأتي اليوم ويدخن تبغ عربي قد اشتراه من أحد مزارعيه بستة آلاف ليرة فقط تكفيه لشهر فقد كان يحتاج فيه لأكثر من ثلاثة عشر ألف أي ثلث الراتب للدخان وهذا ليس من المنطق والمقبول وأغراض البيت وحاجات الأولاد أكثرها بالديون ، ليس من حقهم عليه أن يحرمهم العيش الكريم ويدخن (السليم) الذي تجاوز 300ليرة اليوم وفيه الاختمار ب375 ليرة والأوسكار ب400ليرة ..
هو يجلس في سهراته مع الزوجة والأولاد ويلف السجائر ويضعها بباكيت قديمة كان قد احتفظ بها لتكون بجيبه لفافات بأحسن شكل وحسن مقام، والكلّ يراقبه ويترصد له وهو يلفها ويبللها بريقه و(يتف)على هذه الأيام لتنفرج أساريره بعد تنهيدة ،والجميع يضحك من حوله وكأن الدنيا سلام، لكن الزوجة تصرخ وتقول : انتبه (وسخت الأرض وهلق شطفت ومسحت) أنا أعرف ما تريد، تريدني أن أمتنع عنه ومعها كل الحق لكني لم أفلح وقد حاولت كثيراً وجربت كل النصائح في الدلائل والإرشادات عند توزيعها بيوم التدخين العالمي، وقد سمنت بعد أن بدلته بأكل البذور والموالح وغيرها من السكاكر بمنكهات النعناع، ثم عدت بشكل أخف وليس من الهين نسيانه.
الشاب سامر_طالب جامعي يحمل أركيلته في زياراته للأصدقاء وعند المشاوير والرحلات وهو يدخنها في البيت أيضاً مع والدته، يقول إنه تعود عليها وهي لا تشكل شيئاً في حياته (إنها مجرد تنفيخة _كما يقول) ولا يعرف السر الذي فيها!
ثمن المعسل اليوم 950 ليرة وكان أول مرة يشرب فيها 350ليرة، والعلبة لا تكفيه لغير ثلاثة أيام كما أن الفحم ب 1000ليرة والسلوفان بمئة ، والده يدخن أليغانس أما هو لا يحب التدخين ويحب الأركيلة كما كل رفاقه، فالأركيلة لها محاسنها كما يدعي ويقول : ما إن تنطق وتقول إن في بيتك أركيلة حتى يأتي الجميع إليك، إنها تجمع وتلم من حولك الأصحاب والرفاق، وتلهيهم عن النميمة والرذيلة، وتدفعك للتفكير بعيداً عن الهموم والأوجاع، وتمنع عنك السمنة والبدانة وأنت (رايح جاي )لتشتري مستلزماتها أو تقصد بها الأصحاب ..

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار