صمته يزعجـــــني .. «برّات البيـــــت عامل لي عنـــــتر»!

العدد: 9472

الأربعاء:20-11 -2019

هو دائم الصمت في البيت، وخلافه خارجه حيث يقول ويحكي ويتكلم بلا هوادة ولا هدنة، ويأتي المساء فلا ينتهي الكلام مع الزملاء والأصدقاء وأناس افتراضيين وغير موجودين في مرآة أيامنا، وحتى يصل لشهرزاد إلى أن يأتي الصباح وينام شهريار مطمئناً و يديه تلف الموبايل ليكون بين الأحضان.

 

* لبنى العلي: تزوجت منذ أكثر من 15 سنة يبدو أن الكلام نفذ بيننا، ولم يعد له وجود غير عندما أطلب منه بعض الحاجات يرد بأن ليس معه نقود، عندها أغضب وأقول: معك تشتري (وحدات) للموبايل كل يوم وتشحن نفسك بكلام فاضي عليه ضريبة وحساب مفتوح على الجيب، وما معك تشتري طعام اليوم، وفي المساء عندما يجلس في البيت ولم يعد يخرج منه للقاء الأصدقاء كما كان يفعل سابقاً، يحمل الموبايل ويبدأ على مواقع التواصل الدردشة والحوار، حتى لأنك تجدين ملامح الانشراح تارة وأخرى اندهاش لتقرع قهقهته مسامع الجيران، ومهما تحدثت معه عن مشاكل الأولاد والشغل وغيرها من الهموم و(خناقات الجيران) لا يسمعني هو في عالم آخر قد وصل به الصين وباكستان، فما يكون مني غير أن أعود لأعمالي اليومية في المطبخ و صديقاتي اللاتي يساعدنني فيها (الغسالة، والجلاية والفرامة و..) وإذا اشتد العناد بي واليأس منه جلست مثله على أريكتي وبين يدي الموبايل لنكون سواسية (صم بكم لا يفقهون هذا الزمان).
* شادي، متزوج ولديه ابنة في الصف السادس، يعمل على شاحنة صغيرة كيا لنقل الخضار (من وإلى ) السوق، قال بعد أن توجه لنا بابتسامة فيها كل الكبرياء: عملي يعتمد بالأساس على الموبايل حيث يتلفن لي الزبون إن كان في الليل أو النهار وحتى وأنا أغط بالنوم ويطلب مني نقل ثمار أرضه وما أينع فيها من الفاكهة إلى السوق، وعلي أن أرد عليه وأجاريه الكلام، فينقطع الحديث مع زوجتي وخط سيره ووجهته لأكون بغير مكان وبعيداً عنها، أقول لها: إنه عملي ومصدر رزقي وهي تقول لي دائماً: إن الموبايل ضرتها حيث أضعه بجانب رأسي وأنام.
* سميا العكش تشير إلى أنها تزوجت منذ سنة فقط وقد أصابهما الطرش والخرس، فكل منهما في المساء وبعد أن أخذا وقتهما مع الأهل والأصدقاء بزيارات بمناسبات وغير مناسبات جاء اليوم ليجلسوا في البيت فماذا يتحادثان والخطبة قد أنهت كل حديث طال بينهما لساعات، أشارت بقولها: لم يبق شيء لنتحدث به، غير بعض الرتوش نضعها على بعض خلفيات أمر طارئ من أهله أو أهلي، والفصل بيننا يكون على الموبايل حيث أبعث له رسالة وراء رسالة ونحن لا نبعد عن بعضنا مترين، وقد يكون بيننا جدار غرفة إن رفع صوته سمعه الآخر بارتياح، وإن اشتدت وتيرة الحوار على شاشة الموبايل أسرع إلي وانسل بيني والموبايل ليسلبه مني ويرميه أرضاً بلا استئذان وكلام، فيكون صمتاً يضج في عينيه بشرارة غضب قد حطمت جدران العيش معه.
* أبو سيرين، يعود للبيت متعباً ولا يجد فيه من يشكو له مشاكله وهموم الحياة، وحيدته سيرين صغيرة على سماع الشكوى والعتب، وزوجته الجميلة ليس لديها الوقت فهي إما في الصالونات أو عند الصديقات، وإن حظي بها في البيت تكون على الواتس والأنستغرام، تضحك تارة وتغضب في أخرى لتوسوس نفسها بالمقالب والسيلفي، وفي أحد المرات سلبها الموبايل وفجر فيه الحائط وقنابل غضبه لكنها لم تكن لترد عليه وكأنها خرساء، لكنها، وفي اليوم الذي تلاه نطقت بعصبية واستهجان لأمره وشر عمله، لتطلب منه موبايلاً جديداً ابن سنته، ولم يكن ليرد لها طلباً فهو يخاف أن تهجره بعد حب طال الحديث فيه خمس سنوات قبل الزواج، ليكون الملل باكراً قد أصابهما.
* أبو جعفر يشكو ويضحك قائلاً: تظن أني أخونها، وترجع ذلك بأني لا أحدثها وأصمت طوال الوقت وأنا مقابلها في مقعدي أقلب أخباري على صفحات النت، لكنه الحديث نفسه تطرقني به كل يوم (لم تأت لي بالذي أوصيتك عليه، مد إيدك لعبك خلي الله يحبك، جعفر ما جبتلو القميص، ورحت اليوم لجيب بنطال لجنى طلع بأكثر من سبعة آلاف ليرة، وأبو سامر صاحب الدكان بدو الدين اللي صرو شهور، وجارتنا أم فارس تخانقت مع أم جاك ..) وأنا لا أقدر على سماع كل هذا الكم من الأوجاع وأشعر مرات بالغثيان، قلت لها مراراً أن تكون بهمها فقط، فما يكون مني غير الصمت حتى لا أزيد الطينة بلة وتبدأ مشاحنات كل يوم .
هي ليست خيانة إن كان يفترض بها أني أحادث الجنس الآخر، وحتى إن كانت فهي افتراضية لا واقع فيها ولا يمكنها تحطيم بيتي الذي بنيناه بعد طول عناء بالقروض والجمعيات فكيف لي أن أنسى تعبها وجوري عليها طول تلك الأيام، ولكنها خيانة عندما أصمت وأتركها لوحدها تتحدث عندما أغادرها لغيرها وأتحدث على الشات والانستغرام فلتعذرني إذا أردت بعض الوقت لنفسي بعيداً عن الأوجاع، وسأعود.
* السيدة إلهام تؤكد بأن زوجها خارج البيت غيره داخله، فتقول: زوجي مع الآخرين ثرثري وضحكاته بأعلى درجاتها ودون مكبرات يسمعها الطرشان، وما إن يلج باب البيت حتى تتشكل العقدة على جبينه ويضع الصامت على الشفتين وبالكاد ينبث كلمة أو اثنتين وأسحبها بحبال عند سؤاله لأمر خاطف وحاجة نسترضيها، وهو يحملق بالتلفاز أو الموبايل لاستدراج آخر الأخبار، بعدها يسمعنا عبارته المعتادة (تصبحون على خير) وكأن البيت نزله للمأكل والمبيت، لا يسأل ولا يجيب لأي مطلب أو سؤال حتى من الأولاد الذين باتوا لأمرهم وشأنهم هم المسؤولون لا حديث مع الأب ولا حوار.
* السيد حسان أشار بأن الصمت هو وسيلته لتجنب المشاحنات والخلافات والتهرب من بعض المسؤوليات واتخاذ القرارات بشؤون البيت وأهله وخصوصاً بوجود طرف أقوى من الآخر، ويزداد ثقله وتزداد أعباؤه بعد تراكمات لمواقف خاطئة فيكون الصمت هو الجواب وذلك للحفاظ على العائلة والأولاد بلا هجرة ولا طلاق ويصل الخناق والضيق به ليخرج فاراً من البيت يتنفس الصعداء.
* السيد وائل يلتزم الصمت منذ دخوله باب البيت ليس لعدم رغبته بالحديث بل لأن زوجته تشبعه بالقول والكلام وسردها للتفاصيل كما في القصص والحكايات ليكتفي بالهز برأسه أنه الصواب فهو منصت ومستمع جيد.
* السيدة منى ربة بيت وتعلم الأولاد بدل من وجود مدرسين خصوصيين في بيتها ورجلها متعلم بدرجة مهندس لا يدرسهم ولا يسمع منها حديث فهي ليست كمثله في شيء ويستعلي عليها بعلمه وحديثه رفيع الشأن يصل لرتبة مثقف عجيب من هذا الزمان لتكون في سجنها المنفرد وبين القضبان بلا حديث مع أحد.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار