المــــــزاح .. تشـتعل نيرانه وسـط رمـاد الأصحاب

العدد: 9443

الأربعاء:9-10-2019


(كنت أمزح) تطرق سمعك، ويتوارى خلف أبوابها ضغينة أو كره، أو هي فعلاً من باب المزاح والتسلية بإيقاع من الطرق الخفيف بأبواق ومزامير، ليكون وقعها كما الرعد الجبلي في ليلة مبلولة وعاصفة هوجاء، تتوقع أن تقف تحت مظلة كذبة بيضاء، أو أنك تطلق العنان لساقيك في وجه الريح لتنفذ بجلدك من وصمة عار في حقك، وتتولى بأدبارك عنهم هارباً.

ليس في المزاح الذي قد يتسيد جلسات العائلة والأصحاب غير لمّة حلوة ممتعة وتتطلبه في هذه الأيام المزدحمة بالمواجع وضنك العيش وكثرة الأعمال والمشاغل، ليتبادلوا فيها رسم الضحكات، ويتباروا في فبركة (القفشات) ضمن أسوار وحدود وحتى داخل إطارات لوحاتهم التي شكلوها وأبصروها، لكن بعضهم قد يزيد في أحاديث وهمية مؤلفة باتهامات جارحة لم تكن في الحسبان، وكم منها قد ألصق بصاحبه لسنوات حتى لو ترك المكان، ينتشر بين أوساط الشباب وفي المدارس وحتى داخل البيوت وبين الأزواج، فهل وقعت في شباكها، وكيف أنقذت نفسك من جلد سوطها؟

* الشاب عبد الله، جامعي أشار إلى أن معظم جلساته مع الرفاق لا بد أن يكون فيها بعض التهريج والمزاح وقد يصل عند بعضنا للسب والشتم من باب المودة والعشرة، وقد نثقل على صاحبنا ببعض العبارات لكن ضمن حدود وليس فيها إهانة أو تجريح يفسد الود والاحترام لبعضنا، لكن انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي بين صورة مختلفة تماماً عن لواقع، فالصور المشوهة ومقاطع الفيديو أكثرها محملة بالإهانات وفيها تهكم وتجريح، فما يكون من صاحبنا غير السب والشتم ولو كان جانبه لأبرحه ضرباً.
لا أحب المزاح وأقتصر فيه، ورب مزحة صغيرة أن تنقلب لأمر جاد عندها يكون الوقع والمصاب.
* أم زينب، موظفة أكدت أنه لا يمر أسبوع بغير أن تقصد مدرسة ابنتها لأجل أن تفك عنها غيرة رفيقتها التي تستكبر عليها وتسبب لها الآلام والبكاء ولما تسألها المعلمة عن فعلها ترد (بأنها تمزح معها)، أما عندها في الوظيفة فقد تأتي إحداهن ببعض المزاح وقد يستطيل ويطال إحداهن بعض التهكم على الشكل والتصرفات، وبتصريف وصرف لغوي تجود فيه عندها يعلمن أنه كذب وافتراء.
* أبو إيهاب، موظف أشار إلى أن (كل شيء زاد عن حده انقلب ضده) وهو يقيس وينطبق على المزاح الثقيل ويلبس صاحبه، فقال: عندنا في القرية كانوا يستهزئون ويكيلون بمزاحهم على أحد الأصحاب الذي ودعنا وهاجر لكندا للدراسة والعمل منذ عشرات السنوات، وعاد بزيارة للقرية مع زوجته وأولاده الشباب فما كان من بعضهم للتعريف به (طنبور) إلا أن يستذكر الأيام الخوالي في تلك السنين وينطق بما يلهب النفس والوجنات، والحمد لله أنهم لا يعرفون معناها ولا يفقهون.
نهاية صداقة، هذا ما حدث مع عبد الله شاب في العشرين من العمر تعرض لأحد المواقف من أعز صديق على قلبه، وتحول المقلب إلى خلاف دائم وخسرا بعضهما ولم تنفع تدخل الأشخاص ولا تقديم الأعذار، لأن المقلب كان شديداً وتسبب بدمار نفسيته وتشكل عقدة في حياته وفقد ثقته بجميع أصدقائه، وما زال حتى الآن يعاني من هذه المشكلة.
* أم سومر قالت: في أول أيام نيسان أحببت أن أمازح جارتي، فقلت: التقيت بزوجك مع فتاة في السيارة، وكأنه يعشقها صدقت الجارة وسارعت في الاتصال بزوجها وكان فتيل الشعلة التي ولدت نهار الشك والغيرة بينهما وانهارت علاقتها ووصلت إلى الطلاق على الرغم من أنني اعترفت لها بأنها مجرد كذبة نيسان (كذبة بيضاء ولم تصدق) ومنذ ذلك الحين لم أتجرأ على ممازحة أحد مهما كان الموقف وكان الدرس قاسياً والعبرة لمن يعتبر.
* تحدث السيد كنان بأن من يقوم بعمل تلك المقالب مع أصدقائه أو أصحابه عده شخصاً يختزن طاقة كبيرة بداخله، ولا يعرف كيف يصرفها بالطريقة الصحيحة والسليمة، فيلجأ إلى عمل المقالب مع أصدقائه وإلى هذه الطريقة التي يرى من ورائها إسعاد الغير وإضحاك الناس والآخرين على حساب أحد زملائه, وذكر أن مثل هذه المقالب تسبب الحساسية الكبيرة بين الأصدقاء وقد تنقص من شخصية زميلهم أمام الآخرين.
المزاح أو السخرية يجب أن يكون ضمن حدود مقبولة ولا تتجاوز مدتها الدقائق وإعطاء إشارات ليفهم الجميع بأنها مجرد مقلب بسيط حرصاً على عدم تسبب الأذية الجسدية المؤلمة أو النفسية وبعيدة عن قلة الأدب والاحترام ومحاولة إرضاء الجميع وإحساسهم بالسعادة والمتعة.
* فريال: دائماً أقوم بعمل مثل هذه المقالب وتستهويني جداً, لكنها بسيطة وتنتهي في غضون ساعات, وأكثر شيء أعمله مع العائلة وخاصة أمي ومع الصديقات المقربات، وقد أنفذها في مجال العمل أحياناً كأن أتصل على أحد، وأقوم بتقليد صوت معين هو متخوف منه أو من موضوع هو يفكر فيه, وغالباً ما تكون مقالب عامة قد تشد أعصابهن فقط ولا تضر أحداً ولا يحرج منها بتاتاً وفي الغالب الكثير يصدقونها، .في أحد الأيام تعرضت لمقلب من إحدى صديقاتي ونحن في العمل قامت بسحب الكرسي وأنا على وشك الجلوس، وسقطت على الأرض, وشعرت بألم في ظهري جراء ذلك الموقف وتسبب في كسر رجلي وأصبت بالحرج الشديد ولم أتقبل الموقف أبداً وخصوصاً نحن نعمل في نفس المكان وكل يوم نلتقي ولم أستطع مسامحتها.
* الآنسة عفراء العلي، علم نفس أشارت إلى انتشار المزاح بجميع درجاته في هذه الأيام التي كثرت بالصعاب وتكاثرت فيها عبارات المزاح والتنفيس عما في نفوسهم ليحملوه بشخص بسيط يستضعفونه ويستقوون عليه، وحتى أنه على الفيس نجد الكثير من التنكيل والمزاح الثقيل، وليس غريباً على ناسنا ولا فيه جديد وقد يضفي بعض الترفيه والسعادة شرط أن يكون مزاحاً لطيفاً خفيفاً ليس فيه سب وشتيمة وتهكم، وأن يعرف الشخص طريقة الكلام ويختار الوقت المناسب ليكون بجرعات، حيث أن كثرة المزاح تفقده هيبته واحترامه من الآخرين، والغرض من المزاح ليس غير التسلية بقليل من التهريج، وإزالة القلق والتوتر والملاطفة والتعلم أحياناً.
ومن آداب المزاح ألا يكون فيه تصغير واستهزاء بالآخرين أو إنقاص من قدرهم وتكذيبهم والتعرض لآبائهم ونسبهم فقد تكون مزحة وسرعان ما تشتعل نارها لينقلب الفرح إلى ترح، وقد يدخل بعضه في الممنوع والمحظور، وعساك أن تختار الوقت غير المناسب فقد يكون صاحبك مشغولاً أو مهموماً أو حتى جائعاً ومن الحكمة أن كثرة المزاح تزيل الود والاحترام وتأتي عوضاً عنها بالضغائن.
المقالب مرح وسعادة ومنها ما تكون في نهايتها مأساوية عندما تتجاوز الحد المسموح والغالبية لا يدركون مدى خطورة الموقف ولا يعيرون اهتماماً لاحتمالات حدوث أمور أخرى المهم أن يعيشوا اللحظة بمتعة وسعادة.
هناك مقالب تولد في لحظتها لكسر حاجز الروتين والجمود الذي يخيّم على الجلسة أو السهرة أو للتهرب من حديث شخص غير محبب الاستماع له.
للمقالب والصداقة ومواقف تمر بحياتنا اليومية وخصوصاً في مرحلة الشباب طعم وذكريات لا تنسى بمودة وحب ونفوس طيبة ولكن يجب تنجب المقالب المخيفة التي تسبب في جلطات وتوقف القلب، فأشخاص كثر لا يمتلكون سرعة البديهة التي تنقذهم وتساعدهم على تقلب الموقف وتسبب مشكلة لا تحمد عقباها .

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار