أطفـــــال ومـــــدارس…

العـــــدد 9441

الإثنين 7 تشرين الأول 2019

 

يصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور أربع سنوات على مجزرة مدرستي عكرمة المخزومي والمحدثة في حمص، والتي راح ضحيتها أطفال أبرياء.
كنت حينها أماً لا زال أطفالها في حضنها، أما اليوم وقد كبروا قليلاً وباتوا يذهبون للمدارس، وينتظر قلبي مشتاقاً عودتهم سالمين.
أتذكر نفسي العام الماضي حين حدث تفجير بالقرب من مدرسة ابني وهو في مدرسته، الصوت الذي وصل إلينا ونحن في بيتنا جعلنا نقفز كالمجانين ـ زوجي وأنا ـ ونصرخ بأعلى صوتنا باسم ابننا في مدرسته.
في تلك اللحظة وردنا اتصال يخبرنا أنه يرى الدخان يتصاعد من جانب المدرسة (أو فيها)، قال أنه غير متأكد، لكن قلوبنا المجروحة كانت متأكدة أن خطراً ما يحيط بالطفل، خطر أكبر من أن يستطيع أي أهل استيعابه.
نزل زوجي الطوابق الأربعة بلمح البصر وخلال ثوانٍ أصبح يركض في الشارع قاصداً المدرسة، انقطعت الاتصالات في تلك اللحظة، كنت بحاجة لأتصل بالمدرسة لأطمئن أن لا مكروه حدث فيها، كنت بحاجة لكلمة من زوجي تبرد قلبي أن طفلنا وباقي الأطفال بخير وأن سوءاً لم يمس المدرسة.
وخلال أقل من دقيقة حملت طفلي الرضيع الذي أيقظه صوت التفجير باكياً وركضت به بحثاً عن أي شيء يطمئن قلبي، صور أشلاء الأطفال الخارجين من مدارسهم والتي بكى قلبي حزناً عليهم وعلى أهاليهم عادت لرأسي وأنا أطلب من الرب ألا يمتحنني هذا الامتحان فهو فوق طاقتي.
لا أدري أي منظر كنت أركض فيه في الشارع جعل جميع من يراني يقول دون أن يعرفني أو ويعرف وجهتي: (لم يحصل مكروه في المدرسة والوضع كله تحت السيطرة).
كانت أوقات عصيبة تلك التي مررنا بها، وحالة ذعر أهالي على باب المدرسة استوعبها الكادر الإداري والتدريسي حينها وطمأن الجميع أن المدرسة ومن فيها بخير، كان التفجير قريباً من المدرسة، ومر الوقت، لكن الأذى الروحي الذي تتركه هكذا مواقف يحفر بالقلب ولا يزول أثره، فأي وجع تحمل قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن!
تلك الحادثة جعلتني أعجز عن النوم لعدة أيام أنظر فيها لأطفالي ولا أشبع منهم، وأفكر: من ذاك الذي يستطيع إيذاء طفل؟ هل جرب القاتل يوماً أن يكون أباً ينتظر أطفالاً عائدين من المدارس! ألم يلاحظ ضحكاتهم ولون ملابسهم وأحلامهم التي يرسمونها؟
وذاك الذي تنتظر أطفالاً لا ذنب لهم حتى يتجمعوا لتفجر سيارتك أي روح ملعونة تلك التي تتلبسه، ألم يرَ حقائبهم المدرسية وانتظار أهاليهم يومياً على أبواب مدارسهم، ألم يكن يوماً إنساناً؟ ألم تجر في عروقه دماء كباقي البشر، أكاد أجزم أنه ولد آلة قتل بلا روح، ولد ميتاً ورغم موته قادر على قتلنا في أي لحظة.
أهم ما علمتنا إياه هذه الحرب اللعينة أن من أهم نعم الحياة أن تخرج من البيت وتعود إليه، وأن أي أسرة يخرج أطفالها من بيوتهم قاصدين مدارسهم ويعودون محملين بثرثراتهم وشكاويهم وواجباتهم لهي أكبر نعمة على وجه الأرض.
فندعو معاً لثقافة الحياة ولنقضي على ثقافة الموت من أيامنا، لنهتم بالطفولة، فالاهتمام بهم هو عطاء للذات والحياة ككل، فأجمل الأمهات التي انتظرت ابنها، وعاد سالماً.
السلامة لأطفال سورية جميعا، والرحمة والسلام لمن عاقبونا أشد عقاب برحيلهم المبكر.

رنا محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار