العدد: 9291
الأربعاء-13-2-2019
ويل لأمة انتفت فيها الأخلاق وجلس رعاتها على قارعة الأزمنة يلوحون بمناديل النصر متباهين بالعري وهم يمارسون فنون التردي والتهاوي في مستنقعات الانفلات.
هل غابت الإنسانية، وعلقت أبصارنا على ما مضى منتشية بذكريات ما كان من قيم وبصائرنا من القادم تجزع؟ ثمة سؤال يمارس تثاقله في أعماقنا أين كنَّا؟ أترانا ننعي زماننا أم ننعي الزمان فينا، ما المصير الذي ينتظر أمةً ظنت بأنها انتصرت وجلست على عرش الوهم بالحياة لا مازال الدرب طويلاً وللواهمين أنهم ملَّاك الحضارة نقول: لا انتصار في غياب الإنسانية فغيابها عاث خراباً في الأزمنة وأرخى ثقله على جدران الأمكنة فبات غيابها عنواناً لصباحات موشّاة بالعنف ومساءات يكحلها الظلم وما بينهما من تنظير لمشاريع ستنهض بتربية هي في عداد الأموات.
في رحلة قصيرة إلى ما مضى من تاريخ نتأمل العصر الذي بُعِث فيه رسولُ الله – (ص) فنلاحظ أمراً مهماً، هو أنَّ أكثر الناس لم يكن لديهم دِين ينظِّم حياتهم، لكن كانت عندَهم منظومة مِن مكارم الأخلاق، مثل: الصِّدق والأمانة، والوفاء بالعهود والعقود، والكرم والنجدة وغيرها، وقد توارثوها كابراً عن كابر، فصارتْ ثقافة تتناقلها الأجيال وتعتزُّ بها، وينتقصون مَن لا يُقيمها، بل يُعيِّرون مَن لا يلتزم به.
وكان أحد أسباب بعثة النبي (ص) أن يُتمِّم تلك المكارم وينظِّم تلك الأخلاقَ ويرفعها إلى مقامِ الشعائر التعبديَّة التي يتقرَّب الناس إلى الله بها، ووعدَهم بالثواب العظيم عليها، وفي وقفة مع الذات والآخر وسؤال يحضرنا في كلّ آن ولاسيما هذا الآن: أين هذه المكارم؟ إذ لا قِيم تحكم ولا أخلاق تحدّ من مساحات الانفلات خطر كبير يدهم وجودنا وشرٌّ مستطير، انهارت منظومة الأخلاق التي دعا لها دِينُنا، وقرَّرتها الفِطر السليمة حتى في الأمم الكافِرة والشعوب الجاهليَّة، فظهر شرُّ ذلك على كلِّ المستويات، واستفحلتْ وتعمَّقت حتى صارتْ أزمةً حقيقية، تُعاني منها الأمَّة، تتراكم الأسئلة فتئن القلوب لماذا خوت التربية من مضمونها؟ وتهاوت أو شبه على كلّ شفة يتردد؟ هل نحن في أزمة أخلاق أم هي أخلاق الأزمة؟ وهنا السؤال يفرض ذاته وبقوة: من يوقف هذا المد الهادر من سيل الرياح التي ساقت في طرفها الأخلاق؟
في نظرة واحدة إلى مدارسنا قد نلخّص واحداً من مشاهد الأخلاق المنحدرة والتربية الجوفاء التي تُعاني من ضعْف، إنْ لم يكن انعداماً في القِيم والأخلاق على كافَّة المستويات، فهناك أزمةٌ أخلاقية بين الطلاب ومعلميهم، والرئيس ومرؤوسيه، وبين المدير والمعلمين.
من المؤسف ما نشهده في معظم مدارسنا التي باتت خالية من التربية بكلّ محمولاتها النفسية والجسدية والفكرية، التعليم ليس فقط تلقين معلومة للطالب وطلب إنشاء مشروع تلو مشروع على ورق مقوى ماذا يعني أن يكتب طالب موضوع تعبير على ورق مقوى ويرسم الأحرف الأبجدية وجداول الضرب على الورق نفسه الذي سينتهي به الأمر في سلال المهملات في ظل أزمة اقتصادية يضيق بها مجتمعنا الجديد؟! هل سينهض الأمر بالمستوى العلمي للطالب؟ في ظل سياسة التحطيم النفسي للتلميذ والتهاوي بالتربية، لا تنجح التربية بعيداً عن تنمية القيم في الذات الإنسانية بعيداً عن ممارسة الأخلاق وترجمتها فعلاً وتعاوناً ومحبة واحتراماً يقود إلى العلم والتعلم، فلنأخذ بيد المتوسط لنعلو به حد الجودة وبيد الجيد حد الامتياز، نحن بحاجة الكفاءات، إن أهم ما يجب الالتفات إليه يكمن في المعايير الآتية: لا للإرهاب النفسي والعلمي والتربوي، لا للكلمات النابية على مسامع الطلاب المدرسة مكان مقدس ينبغي أن يعلو بالمرء خُلقا ونفساً وروحاً وجسداً التربية بنيان أمّة تغيِّر مسارَ العالم.
إن التمسك بمبادئ الخير والفضيلة والعدل هي من صميم الأخلاق، بل هي أسباب نهضة الأمم ورقيّها، وما قامت الحضارات بداية وازدهرت لاحقاً في الأرض عبر السنين إلاّ لأنها رفعت شعار (الفضيلة والعدل والعلم).
د. غيثاء قادرة