عـراك لا ينتهي

العدد: 9436

الاثنين: 30-9-2019

 

لا يكون الإنسان عاقلاً إلا حين يستخدم عقله لمنفعته ومنفعة الآخرين، وغير ذلك يكون شروراً لأن النفس هي المسيطرة، وعندما يتبين أعماله ليعلم خيرها من شرها بهدف تقويمها وتلافي الأخطاء والعثرات يكون حكيماً.
يرى المفكرون إن الإنسان الذي خط سيره في هذه الحياة في مرحلة مبكرة من عمره مستنداً إلى تنشئته وما تلقى من علوم، لذلك غالباً يكون الفشل حليفه، لأن الحياة لم تكن قد صقلته بالخبرة والمعرفة، ولعل أكثر الناس يفقدون السعادة من كثرة الاستعداد والإغراق في وسائلها وكأنهم ملكوا أعمارهم، فالحياة مدة ضائعة لولا العمل اللّهم العمل الذي يترك أثراً طيباً.
فالأحمق الشرّه الذي يعيش مقبوراً في بطنه والغني اللئيم الذي يعيش مقبوراً في خزائنه والفاسد المقبور في رذائله، أولئك لا تاريخ لحياتهم ولا حياة لتاريخهم، لأن المغرور يفقد حياته من شدة طلبها، ماعسى أن تكون الحياة بكل ما فيها إلا مدة محدودة على هذه الأرض، تجعلها أوهام الإنسان ومطامعه وحماقته وجهله وكبرياؤه كأنها الأبد كله، فيكدّ ويعمل ويرّخو ويهنأ ويحزن ويطمع ويحرص، لقد خلق الله الحواس ولا ضابط لها إلا العقل يحكم تحديدها ويتولى تسديدها، فكل الشرور هي طغيان الحواس التي تذل العقل وما هذا إلا في سبيل ما يسمى سعادة الحياة، هذا الوهم غايته إشباع العواطف وتغذية الشعور لكن موضعه بين الضمير والعقل، بل في إشباع جسد لا يشبع ما دام حياً وفي تغذية حاسة لا يزيدها إلا شراً وضراوة، وتحسبه لا يبالي بما مضى من عمر، لكنه يستشعر الخوف من أن يكون الذي مضى أكثر طيبة، لهذا لا ينفك يحاول جمع طيبات الحياة، ويشقى لأجل ذلك لظنه إن لديه قوه وسعه في الحيلة.
وتبقى حسرة الناس في لذة الحياه، فالحياة بين طامع مع جريء إن نفعته الجرأة بمنفعتها الطمع، وقانع ساكن إن نفعته القناعة، ومتحيل على القادم ليكتشفه كي لا ينزل إلا في الموضع المهيأ له، فعقل الإنسان في نشاط دائم وهذا النشاط قد يجلب له الويلات مع بعضاً من راحة البال والرخاء، فلا ينقطع يفكر بما سيألو إليه جهده وبما تخبئه له الأيام وكيف له أن يحتاط، إذا القلق هو هاجس دائم والطمأنينة تكاد تكون خيال.

نديم طالب ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار