طــفل «يـــرتي» ثــــوب عيـــش وحــياة

العـــــدد 9431

الإثنـــــين 23 أيلــــول 2019

في مكان ليس ببعيد طفلان يلوحان للسرفيس، ليقف سائقه فجأة ودون إنذار ويطلب منهما الجلوس بالمقلوب، إذ يضيق داخله على الركاب، لقد رأيتهما عدة مرات على هذه الحال عند قصدي العمل وأكون عندها في نفس السرفيس وكان لي معهم حديث..
أحمد انسحب بهدوء واستعجال دون قرار تربية في طرد أو فصل من مدرسته ولم ينل منها شهادة غير ابتدائية، لنشل عائلته من العوز والسؤال، وكذلك أخوه عمر للعمل في مشغل خياطة باللاذقية.
وقد أكد أحمد أنه فرح جداً بمساعدة والدته المحزونة وعائلته ويحصل على 25 ألف ليرة كل آخر شهر مقابل عمله على ماكينة الدرز والخياطة من الصباح وحتى المساء، أما عمر فتارة يعمل على الحبكة وأخرى على الكوي والتنظيف.
وأشار إلى أن والده توفي بالأحداث وجاء مع والدته وجدته وإخوته الثلاثة الصغار وهم في المدرسة اليوم وسكنوا في أطراف المدينة لأنها أرخص بالآجار، غرفة طويلة قسموها بستار لغرفتين مع منافعها كدكان، فهو الأكبر بين إخوته وعليه تقع مسؤولية إعالتهم كما تجري العادة والتقاليد، فقد تعبت والدته من حمل ثقل العائلة ومتطلباتها بعد سنوات حرب نشف ريق جسدهم فيها، وهذا الغلاء الفاحش استشرى بهم بلاء ومنع عنهم أسباب الحياة، فلا راتب في البيت تسند ظهرها عليه غير عملها على ماكينة خياطة تدفق منها عيش لكنها أفقدتها رونق الحياة، فكان أن تعلم منها وأجاد وعمل في المشغل لينال كفاف يومهم والحمد الله .
هو فرح اليوم لأنه استطاع أن يشتري لإخوته في المرحلة الابتدائية بعض لوازمهم المدرسية، ولما قطعت عليه الجواب وأضفت عليه برد يتضمن ما يشبه السؤال أنه يمكنه العودة للمدرسة من جديد ودون رادع أو اعتراض، أجاب بأنه تعلم ما يكفيه ويعرف القراءة والكتابة وليس به جهل، لكنها الحياة ولكل منا طريقه فيها وقد تعترضه مطبات وانزلاقات ترميه أرضاً ويسقط على وجهه، فهناك من ينهض ويقف من جديد وغيره يقف مترنحاً لا يعرف المسير، لقد اختار طريقه وهدفه وهو لا يتجاوز 13 عاماً وأصبح عاملاً ولديه وظيفة، ويرى غيره من الخريجين الجامعيين كابن جيرانهم الذي تخرج من كلية الاقتصاد وحيد أمه، ولم ينل وظيفة أرادها في المؤسسات الحكومية ليتسكع في الليل والنهار بين الأصدقاء ويأخذ مال والدته العاملة بشقاء.
لقد اطمأن قلب والدته عليه وعلى أخيه كما أنها توفر له من راتبه وتقتسم بعضه لأجل مستقبله، فالغد قريب يكون فيه شاباً وقد كوّن نفسه وتحسن وضعه ووضع إخوته في الجامعة أو أي مسارات في الحياة يختارونها ليكون لهم عيشهم ورغدهم.
بيده صنعة ولن تغلبه شدة في معارك الحياة، ومهما ضاقت به الدنيا فلن يعجز عن الحيلة وتدبر أمره بمشروع ومشغل أصبح اليوم حلماً ليس عليه مستحيل.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار