مفهوم جديد للصداقة الالكترونية ..

العـــــدد 9421

الإثنـــــين 9 أيلول 2019

عامل الموضة هو السبب الأول الذي يجعل عشرات الملايين يشتركون فيما اصطلح على تسميته (الشبكات الالكترونية)، وعلى الرغم أن علم الانترنت يشكل منذ أكثر من عقد ونصف جزءاً مهماً من حياتنا اليومية وبعيداً عن قضية الموضة بكشف الإبحار عبر الشبكات الاجتماعية حنيناً إلى الماضي إذ يكثر بين المشتركين البحث عن الأصدقاء القدامى فيما تبرز في المقابل رغبة في البحث عن أصدقاء جدد وكأن الأصدقاء الذين تعرفهم في الواقع ونلتقيهم في الحاضر لا أهمية كبيرة لهم إلا إذا لاقونا في أحد المواقع أو المناسبات.
أي أن لحظة الحاضر معلقة بين حنين إلى الماضي ورغبة في صداقة للمستقبل، وقد أوجدت شبكة الانترنت حلاً لمرض العصر أي الشعور بالوحدة وهو شعور يتنامى بين أبناء المدن وأبناء الريف ويسمح الإبحار في هذه الشبكة بالاستسلام للهو واللعب وهذا ما يشكل أحد عوامل نجاحها ومن خلالها نعيد خلق شخصياتها ونرسم لأنفسنا شخصيات ووجوهاً نحلم بها ونقدم أنفسنا كما يحلو لنا فنحن لسنا في مواجهة واقعية مع آخر تفصلنا شاشات ومسافات قد تطول أو تقصر لكنها بالحسابات الافتراضية لا تزيد على بعض سنتيمترات فثمة شعور زائف لدى المبحر في الشبكة بأنه قريب جداً من محدثه وعلى رغم إدراكه لقواعد اللعبة التي تفرض ما يشبه (جداراً عازلاً) بين الأصدقاء فإن القدرة على التخطي أو إدراك أن عيون الآخر لا تحاصرنا يزيد من حريتنا ومن قدرتنا على اللعب وربما تمثيل أنفسنا.
ومن المفاهيم التي يراها البعض بأن تزداد قيمتك بزيادة عدد أصدقائك الافتراضيين وأن الصداقة يمكن أن تتم بغمضة عين وبكبسة زر يصبح لك عشرات الأصدقاء وهي مفاهيم تناقض ما يعرف عن الصداقة في العالم الواقعي.
وأبرز وصف لهذه العلاقة هو أن علاقة الصداقة تتطلب وقتاً طويلاً حتى تمتد وتتعمق وهي تتطلب تنازلات متبادلة من أطرافها وأن يقبل باختلافات صديقه عنه وأن يتبادلا الثقة.
الفخ الآخر الذي تنصبه الشبكات لمشتركيها يتعلق بوهم المساواة مع النجوم من المطربين مثلاً، فحين يعلن أحد المطربين أو الممثلين الكبار أن له مجموعة من آلاف الأصدقاء على الفيس بوك فإنه بذلك يتمايل على أصدقائه هؤلاء لأنهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى معجبين به وبفنه ولا تربطه بهم أيّ علاقات وقد لا يكون هو من يتواصل معهم بل مندوب عنه أو أحد الموظفين لديه.
لكنه بإعلانه هذا يفعل ما يفعله آلاف النجوم في الفن والسياسة وعلى صفحات الشبكة الالكترونية بات الآلاف يحققون أو يرسمون اليقظة التي تراودهم.
وفي غرف المحادثات بشكل خاص يلعبون أدواراً متنوعة وينزعون عن أنفسهم أسماءهم ويتبنون ألقاباً تعرف بهم ويتحررون من كل ضوابط الرقابة الذاتية وعمليات القمع التي تمارسها الأسرة أو المدرسة أو الجيران أو زملاء العمل.
وكما تبدأ الصداقات في العالم الافتراضي سريعاً كما إنها تنتهي بكبسة أيضاً إذ يكفي أن يقرر المرء الانسحاب ويقفل جهازه ليدخل في عالم النسيان.
وأما عن اللقاءات الافتراضية المكثفة التي تسبق اللقاء الحقيقي في معظم الأحيان تحل الخيبة محل الإعجاب لأننا نعتقد أننا نعرف أموراً كثيرة عن الآخر فنكتشف أننا في حقيقة الأمر لا نعرف شيئاً.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار