العدد: 9419
الخميس : 5-9-2019
ولِأنَّه نشأ فقيراً كأيِّ فردٍ من أفراد قريته المتواضعة، لم يشعر بانتهاك أصحاب الثَّراء الَّذين يصادفهم، لكنَّه حين انتقل مع أُسرته إلى المدينة، عانى اضطَّهاد المدرسة والشَّارع والحيّ، حتَّى تفاؤله وسرعة لكنته وألوان ملابسه، أصابهم الازدراء وغطَّاهم الرَّماد، ولولا تشجيع مدرِّسيه الَّذي تخطَّى الأمنيات، لما نجح في انتقاله من مرحلةٍ إلى أخرى! ومع ذلك وفي كُلِّ يومٍ يواجه جداراً صلباً من الطّلاب على طلاقته في الإجابة عن أيَّ سؤالٍ، وحين يزيِّنُ الأجوبة بفطرةٍ هي أقرب للإبداع، كان يجد نفسه خارج مقعده مع بعض الرّضوض! مع الأيّام، كانت تتباعد فترات زياراته للقرية، إلى أنْ أصبحت الذّكريات وحدها ما يربطه بها، ولا يكاد يمرُّ يومٌ إلّا و فيه من تلك الذّكريات، إلْا أنّها كانت تبتعد شيئاً فشيئاً عن واقع القرية المعاش، ولم يعد مقبولاً أمام أقرانه فيها، أمَّا فقراء القرية، فقد غابتْ ملامح فقره عنهم، وبقي غريباً كموجةٍ هاربةٍ، على الرُّغم من عمله الوظيفيّ وراتبه المقبول بالنِّسبة له على الأقلِّ.
كبُرَ الأولاد، وكاد إهمالهم لأبيهم يقترب من أقرانه القدامى في المدرسة، فهو لم يرصِّف لخطوات أحلامهم، ولم يأتِ بسُلَّمٍ يصعدون درجاته، ولم يميّز بين بياض الِّلفت والياسمين!! جُلَّ ما يفعله، هو أنْ يردِّد عبارةً تقول: ما أجمل أيَّامَ عُمري حين كنتُ فقيراً بين فقراء قريتي!
سمير عوض