العدد: 9419
الخميس : 5-9-2019
يا له من أمرٍ عظيم أنْ نعترف بعد معرفتنا بأنّ الحياة لم تكن في يومٍ من الأيّام ولن تستمرّ حياتنا إلاّ بك أنت, أنت أيّها الساكن دمي وشراييني, والموجود بسببه أنا, لأنّك هدفي ومَثَلي الذي أسعى أنْ أراه في نفسي التي تاقت إليك توق الفجر للضوء بعد عتمة ليلٍ طويلٍ أشعر بثقله لوحدتي التي أدركتُ من خلالها أنّك مَن يملأ عالمي وبيده شمس حياتي ونور دربي بل أنت الذي به أنا أكون أنا كما أريد وأشتهي بعيداً عن وحشتي وغربتي التي أراها قد أظلمتْ عيني وجعلت بياضها يكثر فغاب بياض الحياة وعمّ سوادها بعد أن ذهب سواد العين وغاب بياض الحياة. أيّها الأنا الحاضر بقوّة في حضرة الأنت القادم ليُنير الدّرب ويُزيل الغشاوة وينشر الطهارة والسعادة بقدومه ومجيئه وكأنّي أراني أشعر أنّ الحياة ليست بي لأنّي لستُ أنا إلاّ بكَ يا ظلّي الذي يشعرني بأنّ الظلّ لا يحيا إلا على ظلّه ولا يبقى إلاّ به, فهو القادم ليجعلنا نرى أنفسنا كما كانت أو كما هي أو كما يجب أن تكون, وما أصعب أن يحيا المرء ولا يُدرك أنّه هو نفسه ليس ما أراده أو أنّه ما كان يعرف أنّ أيّامه ستمرّ به وتأخذ بيده إلى مطارح ما أرادها لنفسه ولا ابتغاه بفكره ولا هو متخيّل أن يكون هنا أو هناك في هذه الزاوية أو تلك من زوايا الحياة المعتمة. ولأنّك أنتَ مَن يستطيع أن يُغيّر الزوايا وأن يرسم شكلاً هندسياً جديداً بدل انكسار الخطوط واتّخاذها اتجاهاً غير مُرادٍ من قبلي أو ما كان ليكون هدفي فإنّك القادر على تغيير المساحة والحجم بحضوركَ أيّها الأنتَ الحاضر الغائب في أنايَ الغائبة دونك. إنّ الحياة جميلة ولا يكون الجمال إلاّ إذا أدركنا الحقيقة الأزليّة الأبديّة القائمة على أنّك سرُّ جمالها, ومحورها الحقيقي الذي لا نراها بالعين وحسْب بل إنّه المحور المرئيّ بالقلب والفكر وهو الوجه المنير للمرء المريد أن يكون من الأشخاص الساعين إلى الحياة التي لن تكون إلاّ بك أنت.
نعيم علي ميّا