العدد: 9289
11-2-2019
هبط المساء وئيد الخطا على أديم اليابسة، وبات كل شيء في ليل شتوي بارد الأجواء، حالك السواد في هدوء وسكينة إلا وحدها الريح كانت ترسم لوحات بقراءات متنوعة، تارة تبدو لينة وسهلة ندية، وأخرى يصعب فهمها ويشتد عتوها ووقعها وتجدد هبوبها..
للريح قراءات… إنّنا لا نرى الريح ولكن ما نراه ليس سوى فعلها وآثارها التي تتركها على ما تمر عليه وتصطدم به. تهتز رؤوس الأشجار بملامستها وتلاقيها معها، وتتمايل مع هبوبها سنابل القمح وترتعش صفحة الماء على سطح البحيرة والبحار وفي أسرّة الأنهار لها وتخفق أجنحة الطيور لعبورها…
أصغي … في الخارج صوت الريح يعلو بشدة ، وثمة أصوات لها وصدى… وتتدافع قطع الغيوم في السماء بفعلها متراكضة كجحافل تجدّ السير في وجهتها..
نعم قراءات الريح متعددة، فمنها ما ينتعش بها، ومنها ما يرتعش لها.. في بعض الليالي والنهارات تكون الريح طيبة ناعمة، رقيقة الصوت شفيفة ، ريانة تتفتح البراعم للقائها وتقبيلها فتثمر وتزهر الأكمام.. وللريح في خفقانها وهيجانها واختلاف جهاتها لغات ونوافذ تفتحها ترجمات أفعالها وأقوالها حين تحط رحالها.
ثمة ريح في كل مكان، تفعل ما تفعل، لا أحد يراها لكنّ لها صوتاً وقوة ووجهة..
تنهض وتستفيق في أي حين، تمسح النعاس والغشاوة عن العيون، وتلقي الرعشة في الضلوع وغصون الشجر، وتهمس في رؤوس الأعشاب وعلى شرفات المنازل تعلو، وتفسح لها الطرقات في المسار، وتنقل أحاديث الناس وتحمل رسائل بلغات شتى وصدى الأغاني وأهازيج الانتصارات وقصص الأبطال على تراب هذا الوطن، وتقرأها كما يليق بحب الوطن وتضحيات أبنائه.
بسام نوفل هيفا