هــــمّ البنـــــات للممــــــــــات..

العدد: 9418

الاربعاء: 4-9-2019

 


لا نصدق بأننا في هذا الزمان ونسمع: (موتتني ها لبنت، همي كبير) آتية من بيت أنجبت صاحبته خمس بنات لتنجب الصبي، كبرن وكبر همهن بعد أن توفى الأب ولتكون حالهم ضيقة كما أضعف الناس، عندها تقدم للكبيرة شاب وسيم حسدتها عليه كل البنات، بل سمعت من بعضهن كلاماً جارحاً دفعها للسب والصراخ، فهي لم تكن بمستوى جماله ولم تحمل شهادة غير الإعدادية التي توظفت بها، وهو عاطل وجالس في البيت باسترخاء ولا يجيد عملاً ليعتاش، الفارق كبير بينهما في الجمال وغيره إلا أنهما عجلا الزواج وكان لهما الزفاف، ولم ينتظر لنهاية شهر العسل الذي نفذ فيه الصبر وبان ما تستر به تحت الكلام، وغيره من التصرفات إذ يسلبها مالها ويخرج من البيت كل يوم ولا يعود قبل ساعات الصباح، ولم تجرؤ يوماً أن تشتكي إلى أن باغتها بالضرب والسب والصراخ بوجهها، أنها ذميمة ومقرفة، وكيف لا وقد سلبها كل مالها ومصاغها، وتركها على الحصيرة، بعد أن أنجبت له من الأولاد اثنين، ورغم تدخل الأهل لردم الشرخ بينهما، إلا أنه طلقها وسافر مع أخرى إلى بلاد الواق واق، ولم تسمع بعدها عنه شيئاً، وقد اعتلّت صحتها، وكابدت الأمرين مع ولدين في غرفة صغيرة عند الأخ وزوجته التي تنهرها (ع الرايحة والجاية) فقد كانت والدتها أيضاً تعيش معهم في بيتها الذي نزعته منها الكنة، فما كان منها غير وضع الطفلين في حضن أم زوجها والابتعاد عن أمها التي سمعت عنها بعد حين أنها تزوجت من رجل عنده أربعة أولاد، وكانت قد حرمتها حماتها من رؤية ولديها اللذين يشبان دون والدين، فهي في نظرها فاجرة، وليست مؤهلة لتربيتهما، ومن يومها لم ير أحد تلك الفتاة البائسة ولم تطئ قدمها القرية وانقطعت أخبارها.

الحياة قصة كبيرة ودراما لأيام وناس، وفيها من الأقوال والأمثال ما تلبسنا بالمقاس منذ أول الزمان، منها ما كسا المرأة بأوهام، وقد صدقت ما قاله عنها رجلها، بل تبنّت مقولاته، ورددتها كل حين، تستذكرها خوفاً من النسيان، حتى أنها (تلطش) بها بناتها وأخواتها وأعزهن للقلب، ورغم تطور العصر وتقنياته والتقدم الذي أحرزته وتوليها المناصب والقيادات، إلا أنها ما زالت تسمعهم يرددون (هم البنات للممات حتى لو كانوا مسعدات، يا مخلف البنات يا شايل الهم للممات)..
نعم البنت همّ لأهلها، هو ما أكدته أم هلا (وحيدتها) ولم يرزقها الله غيرها من أولاد، وقد ربتها (كل شبر بندر) لتكون شابة جميلة وجامعية، والكل من حولها يرمقها بنظرات تؤجج سعير خوفها عليها، فقالت: إن ما يقلقني هو خوف والدها عليها، خاصة أنه يرافقها لأكثر الأمكنة التي تقصدها، وهو متعلق بها جداً، ويردد أمامي أنه لن يزوجها، يخاف أن يكون رجلها صعباً عليها ويعذبها، وأنا أضحك في وجهه وأقول: ولكنني سعيدة معك، ولم أر غير الخير فيك، فيرد معاتباً لو كان لها أخ لكنت مرتاح البال.
ويخالفها الرأي أبو البنات السبعة أبو رنا ويقول: البنات أجمل الكائنات، وكل منهن تساوي عندي 12 شااباً، لدي الطبيبة والمهندسة والصيدلانية، كلهن يرفعن رأسي عالياً أمام الناس، ويضرب بهن الجيران المثل بالأدب والجمال والتفوق، وقد تزوجت الكبيرة والصغيرة، والحمد لله سعيدات، حتى الباقيات منهن في البيت، ولا أخاف عليهن، فهن على قدر كافٍ من الوعي والمسؤولية الذي يطمئن قلبي بأن أحداً قد يفرض على واحدة منهن وصايته، أو يسلبها حقها وتقرير مصيرها، وكثيرة هي الأمثلة التي تكرس الهموم على أصحابها، لكن توجد أيضاً أمثال تمنحها مكانتها وقدرها من الجمال لأقول: (بيت البنات بيت البركات).
البنت منذ لحظة ولادتها، تكبر كل يوم بهمّ، هذا ما نطقت به أم سعيد، أين ذهبتِ، تأخرتِ، هي حزينة فرحة، تزوجت أو بقيت في بيت أهلها، أنجبت البنت ولم تنجب الصبي، توظفت أو عالة على إخوتها، تبقى ضعيفة حتى لو نالت كل الشهادات واعتلت أفضل المناصب، فالقوة للشاب الذي له أن يتصرف ويفعل ما يشاء، وليس منه هم حتى إن لم ينل شهادة أو علماً، يستطيع أن يمتهن أي عمل، ويعمل في أي مكان، كما أن تربيتهما تختلف فهي أهون لنا في الفتيات لكن تبقى مصاريف الشبان أخف، فالفتاة تبغي كل حين لباساً وبماركات أجنبية كما رفيقاتها في الجامعة والحي، لكن ذلك قد لا يتوفر لها عند زوجها وسيد بيتها، وأنا مع الفتاة التي تجلس في بيتها (مستتة) وتكفيها مسؤولياتها مع الأولاد (المرة لو طلعت ع المريخ آخرتها للطبيخ)

هدى  سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار