جورج شويط : رحلة فنان من دهشة الطفولة إلى عوالم الكاريكاتير والدراما

الوحدة – رنا عمران
في حوارٍشيّق، يفتح المبدع جورج شويط أرشيف ذاكرته، ليسرد رحلة شغفه التي بدأت بطفولته المبكرة مع قصص الأطفال والألوان، لتنتهي به إلى عالم الصحافة والكاريكاتير والكتابة للدراما، ملقياً الضوء على المحطات التي شكّلت تجربته والعلاقة التي تصل مواهبه المتعددة في بوتقة إبداعية واحدة.
* لنبدأ من البدايات… كيف اكتشفت موهبتك الأولى، وما الذي دفعك لاحقاً لخوض مجالات أدبية وفنية متعددة، والكاريكاتير أحدها؟
جذبني عالم الرسم منذ طفولتي المبكرة، فقصص الأطفال التي كنت أقرؤها فتحت لي أبواب عوالم الدهشة: الألوان الزاهية، والرسوم المعبّرة، والخطوط المتناغمة، والوجوه النابضة بالحياة، إلى جانب الحكايات التي ألهمت خيالي الطفولي وأطلقته إلى آفاق بعيدة.
وبفطرة طفولية بحتة، جرّبت أن أعبر عن نفسي بالخطوط والألوان، رسمت العديد من اللوحات والرسومات على الورق الأبيض، ولونتها كما تشتهي مخيلتي وتخيلاتي.
لم تمر هذه المحاولات مرور الكرام، فقد لفتت انتباه شقيقي الأكبر، وكذلك معلمتي في الصف الثاني. وكان لشقيقي، الذي كان مولعاً بالمطالعة ويواظب على إحضار عشرات القصص لي، الفضل الأكبر في نشر رسوماتي الأولى، حيث أرسلها إلى مجلات الأطفال المعروفة آنذاك مثل “مجلة أسامة” السورية، و”مجلة سمير” و”مجلة ميكي” المصرية. وهكذا بدأت رسومي تأخذ طريقها إلى النشر في هذه المجلات، مُذيلة باسمي “الطفل جورج شويط”. هذا الإنجاز المبكر أبهرني وغرس فيّ شغفاً عميقاً بعالم المجلات والصحف الورقية، حتى بتّ أشعر أنني تشكّلت من جديد كرجل من “حبر وورق” حين دخلت عالم الصحافة لاحقاً.
أما بالنسبة للكاريكاتير، فالأمر جاء بمحض الصدفة، إذ خربشتُ بعض الأفكار الساخرة على الورق. وبالصدفة أيضاً، كنت في زيارة لجريدة “الوحدة” في بداية تأسيسها، فشاهد تلك الرسوم الكاتب الساخر والإعلامي الراحل سهيل خليل، وقال لي على الفور “هذه الرسوم مكانها صفحات الجريدة”. وفي اليوم التالي، كانت إحدى رسومي تتصدر العدد الصباحي للجريدة، وكانت فرحتي لا توصف.
* أيُّ الفنون تُعتبر الأقرب إلى قلبك: الرسم الكاريكاتيري، أم الإعلام، أم الكتابة للدراما وللأفلام القصيرة؟ ولماذا؟
لكل منها مكانة خاصة في قلبي، فالكاريكاتير كان محطةً مهمة في حياتي من ناحية الانتشار على المستوى العربي. فالمعارض التي أقمتها كانت بمثابة احتفاليات لروحي، موشاة بغبطةٍ غريبة، كما أن حصولي على بعض الجوائز العالمية منح تلك المرحلة نكهةً خاصة انطبعت في ذاكرتي.
أما الإعلام، فهو عشقٌ مستمر. فالعناوين البارزة والشخصيات الهامة التي التقيتها، والفعاليات التي حضرتها – مثل مهرجان دمشق السينمائي الدولي (لست دورات) ومهرجان المحبة بكل دوراته – لا تزال كامنة في فضاء روحي، مشبعةً بفرحٍ حقيقي، وقد جمعت كل ما كتبته في الصحف والمجلات المحلية والعربية وحتى الأمريكية ضمن مجلدات، ما زلت أحتفظ بها حتى بعد مرور ٤٥ سنة، وأقلّب صفحاتها بين الحين والآخر بحنين دافئ يصل أحياناً إلى حدّ إسالة “دمعة فرح هاربة” من ذلك الزمن الجميل.
أما الأفلام القصيرة (ذات المدة التي لا تتجاوز ٤ إلى ٧ دقائق) فقد شدتني هي الأخرى، خاصة وأنني أكتب نصوصاً قصيرة جداً ومكثفة، تعتمد على فكرة مركزة تحمل في طياتها دهشة الومضة ومفاجأة القفلة، مما يمنح المشاهد متعة بصرية وفكرية، وقد وجدت هذه الأفلام منصةً لها في “مهرجان خطوات للأفلام القصيرة”، والأمل معقود على عودة قوية لهذا المهرجان المهم.
* كيف توّفق بين هذه المواهب المختلفة دون أن يطغى أحدها على الآخر؟
لطالما وجه إليّ هذا السؤال. وجوابي هو: حين تتقن فن إدارة الوقت، وتدرك قيمته كثروة لا تقدر بثمن في رحلة عمرنا القصيرة نسبياً، وتتمكن من هندسة وقتك اليومي (٢٤ ساعة) بطريقة سلسة ومنظمة، فإنك تستطيع أن تُنجز المعجزات، هذه الإدارة الواعية هي مفتاح تحقيق النجاح في عدة مجالات في وقت قياسي.
* ما الدور الذي لعبته الصحافة في صقل تجربتك الإبداعية؟
للصحافة والإعلام بشكل عام، بكل وسائطهما، دورٌ كبير وفضلٌ أكبر في احتضان ورعاية بذور المواهب بمختلف أنواعها، فعندما تسلط الأضواء على أعمال فنان أو كاتب أو شاعر، فإنها تحفزه وتدفعه لتقديم الأفضل مما لديه.
* هل ترى أن الكاريكاتير ما زال قادراً على التأثير في المتلقّي اليوم كما في السابق؟
لوحة الكاريكاتير وُلدت على “سرير من ورق”، وحين تمزق هذا السرير (في إشارة إلى تراجع دور الصحافة الورقية)، بدأت اللوحة تشعر بالبرد والغربة، فقدرتها على التأثير مرتبطة إلى حد كبير بمنصتها وقربها من الجمهور.
* ورشة كتّاب السيناريو المنبثقة عن اتحاد الكتاب العرب باللاذقية، إلى أين وصلت؟
نحن مجموعة من الكتّاب والإعلاميين والفنانين يجمعنا شغف الكتابة للتلفزيون، وكل الطموحات مشروعة ما دامت الإرادة متوفرة لدى الجميع. نحن حالياً بصدد التحضير لكتابة مسلسل تكون كل حلقة فيه قصة منفصلة، بالإضافة إلى مسلسل آخر يعتمد على لوحات كوميدية ناقدة وساخرة.
وفي هذا السياق، أوجه دعوة لرجال الأعمال المقبلين على الاستثمار في سوريا الجديدة: ليكون للإنتاج الدرامي حصة من مشاريعكم، اعتماداً على التاريخ الطويل والناجح للفن السوري في هذه الصناعة، ولحاجة السوق العربية والفضائيات والمنصات الرقمية للأعمال السورية المتميزة.
* بعيداً عن العمل والإبداع… كيف يبدو يومك المثالي بالنسبة لك؟
يومي المثالي هو اليوم الذي أثرى فيه عقلي وروحي بقراءة صحيفة، أو رواية، أو قصة، أو قصيدة، أو بمشاهدة فيلم أو مسرحية ذات عمق، أو بمتابعة حوار تلفزيوني أو إذاعي ثري.
هو اليوم الذي أنجز فيه مادة إعلامية ملفتة تلقى صدىً طيباً لدى القارئ، أو حين أشارك في نشاط فني أو ثقافي في مدينتي.
وبشكل أعم، هو اليوم الذي ألعب فيه مع أحفادي، ويكون أولادي بأمان وسلام، ولا أسمع فيه أنين مريض أو موجع، ولا يحزنني فيه انكسار جائع أو محتاج.

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار