جيل الشاشة.. التكنولوجيا بين تشكيل الوعي وتفكيك العلاقات الاجتماعية

الوحدة- ديما محمد
في زمنٍ باتت فيه التكنولوجيا ليست مجرد أداة بل بيئة اجتماعية وثقافية متكاملة، يتشكّل جيل الشاشة الصاعد ضمن منظومة رقمية تعيد صياغة أنماط التفكير والعلاقات اليومية.

وحول هذا التحوّل العميق أجرت صحيفة الوحدة لقاءً مع الدكتورة إيفا خرما عميدة كلية الاجتماع.

وقدّمت تحليلاً دقيقاً لأبرز آثار التكنولوجيا من منظور سوسيولوجي على سلوكيات الشباب وعلاقاتهم الاجتماعية وهويتهم الثقافية.

تكنولوجيا تفتح الأبواب وتغلق نوافذ القرب

وترى د. خرما أن التأثير المزدوج للتكنولوجيا بات واضحاً في حياة الشباب.

فمن جهة، أسهمت هذه الأدوات الرقمية في توسيع آفاق المعرفة، وتسهيل الوصول إلى المعلومة، وتعزيز مهارات التواصل، ولا سيما في سياق التعلّم والعمل عن بُع.

كما ساعدت على ربط الشباب بقضايا إنسانية عالمية، ومنحتهم فرصة تكوين وعي يتجاوز حدودهم الجغرافية والثقافية.

ومن جهة أخرى، لا يمكن إغفال الأثر السلبي المتمثل في تراجع التفاعل الاجتماعي المباشر وزيادة العزلة الرقمية، حيث أصبحت كثير من العلاقات الإنسانية محصورة خلف الشاشات.

ونتيجةً لذلك، بات الحوار الأسري والتواصل المباشر يتراجع أمام عالم رقمي سريع الإيقاع، ما انعكس سلباً على نوعية العلاقات داخل الأسرة، لا سيما بين الأبناء ووالديهم.

السلوكيات اليومية.. بين الإنتاجية والإدمان

وتشير د. خرما إلى أن الاستهلاك المفرط للأجهزة الذكية يؤثر سلباً على إنتاجية الشباب، سواء في التحصيل الدراسي أو في أداء المهام اليومية.

كما أن الاعتياد على المحتوى السريع والمشتت جعل من الصعب الحفاظ على التركيز والانتباه لفترات طويلة، ما أدى إلى تراجع مهارات التحليل والصبر الذهني لدى الجيل الجديد.

انعكاسات صحية واضحة

وأفادت د. خرما إن الاستخدام المكثف للتكنولوجيا قد خلّف آثاراً مقلقة على المستوى الصحي، من بينها اضطرابات النوم الناتجة عن التعرض المستمر للضوء الأزرق.

كما بيّنت مشكلات أخرى كإجهاد العين ومشاكل النظر، وتراجع النشاط البدني، ما يرفع من مخاطر السمنة وأمراض العصر.

تكنولوجيا تُعيد تشكيل الوعي والهوية

وبحسب د. خرما فإن التكنولوجيا تلعب دورٱ جوهريٱ في تشكيل وعي جيل الشاشة الجديد وهويته الثقافية.

مبينةً أنها تفتح آفاقٱ واسعة للاطلاع على ثقافات متعددة.

وأنها في المقابل قد تهدد الهوية الثقافية المحلية، ولا سيما في حال غياب التوجيه والرقابة الواعية.

وأضافت أن وسائل التواصل ساهمت في صناعة وعي موجه، ما يجعل الجيل الشاب أكثر عرضة للتضليل أو التابعية الفكرية، بسبب الاستهلاك غير النقدي للمحتوى.

بين الأجيال.. التواصل أم القطيعة؟

وبينت د. خرما أنه بالرغم من أن التكنولوجيا تتيح أدوات للتواصل بين الأجيال، فإنها عمّقت الفجوة الجيلية في كثير من الأحيان.

وأرجعت سبب الاختلاف الكبير في طريقة استخدام وفهم هذه الأدوات.

وأوضحت أن ذلك يتطلب من الكبار تطوير فهم مشترك لمنظومة القيم الرقمية التي ينشأ عليها الأبناء، دون الاكتفاء بالمنع أو النقد.

الحل في التوازن والتوجيه

وتؤكد د. خرما في ظل هذه التحديات، أن دور الأسرة والمدرسة والجامعة لم يعد تقليديٱ، بل أصبح أكثر أهمية في ترشيد استخدام التكنولوجيا.

وتدعو إلى خلق توازن بين مواكبة التحول الرقمي والحفاظ على الخصوصية والقيم المجتمعية.

وتبين أن ذلك يتم من خلال وضع ضوابط واضحة، وتعزيز الحوار الأسري، وغرس مفاهيم الانضباط والوعي الرقمي.

وختمت د. خرما بأن التكنولوجيا لم تعد مجرد وسيلة، بل أصبحت جزءاً بنيوياً من الحياة اليومية، تعيد تشكيل التفكير والسلوك والعلاقات.

وأضافت أن الفوائد الكبيرة والمخاطر الواضحة، يحددها التوجيه الأسري والتربوي الهادف.

وأكدت أنهما السبيل الأمثل لضمان أن تكون هذه الأدوات في خدمة الفرد والمجتمع لا العكس.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار