العدد: 9410
الخميس : 22-8-2019
التقيته منذ أيام، وكأن بي قد انتشلت وجهه في هذا الكم المتزاحم من الوجوه، أحاول أن أصغي إلى كلامه بكل اهتمام وسط ذاك الركام من المسموع والمقروء..
قلت له: قل ما تريد، فمن ذا الذي بات عليه الأمر سراً أو لا يعلم بما تضج به الشفاه وتغتلي به الرؤوس في هذا الزمن النكد.
قال: لقد سدت وجه المكاتب في بعض دوائرنا دواعش انسلت واحتلت علوة الأفق، واختصرت المسافات وعبرت ساحات المعارك وأصبحت ذا نفوذ وجاوزت المألوف وحدّ الدهشة..
كان صوته جارحاً مجروحاً يتدفق كسيل ضاقت به الحواف وفي عينيه ألق تابع قائلاً: نحن مسلوبون من دواخلنا، مقهورون آباء وأبناء، لا في وجوهنا أو أفواهنا كلمة تصدح بها النفس، ولا في صدورنا ما يشفي، نحن كالآلات نعمل، تجمد الإحساس وبردت المشاعر، وفي ملامحنا تزداد الجفوة وتتسع، وشيئاً فشيئاً تتحول أوامر المتنفذين إلى تراكم من ثرثرة الكلام والنفاق، فتولّد في نفوسنا مشاعر الخيبة وترسخها، وبيننا وبينهم هوّة لا تتجسّر طريقها، نتهيب اجتيازها حتى لنصبح كخصمين على وشك التواجه في جبهتين، لم يعد لمطالبنا وهمومنا صدى في مكاتبهم، وربما لا أجوبة عن أسئلتنا.
قلت له: هوّن عليك وامسح التعب عن جبينك وأنزل الهموم عن عاتقك وأمطر شتاءك سخياً، الإبداع هنا، يمكن في إيجاد الحلّ السليم الصحيح بهدوء وإنجازه على أكمل وجه ناضجاً في حينه وموعده، ما من شيء يظل ثابتاً في الحياة إلا وله متحرك متحول شق الطريق الصعب للوصول إلى الهدف يتطلب التحمل والإرادة والعزم.. هل هذا الذي قلته لك كان مقنعاً ومستوفياً في معظم جوانبه، أم في النفس كلام آخر؟ إن كان الأول فليورق ويزهر ويثمر خيراً وإلا فلييبس داخل النفس، لأن ليس كل ما يحس به المرء أو يعرفه يقال.
بسام نوفل هيفا