الوحدة – د. رفيف هلال
يشكّل كتاب “الدولة ما بعد الحديثة” للمفكّر والقانوني الفرنسي جاك شوفالييه، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بترجمة محمد عرب صاصيلا، محاولة معمّقة لفهم التحوّل الجذري الذي أصاب البنى السياسية والاجتماعية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. فالكتاب، الذي ظهر أولاً بالفرنسية عام 2017، يقدّم رؤية نقدية لمسار الدولة من نموذجها الكلاسيكي كما صاغه هوبز وروسو وهيغل، إلى واقع جديد تهتز فيه ركائز السيادة المطلقة ووحدة الإقليم واحتكار العنف المشروع، تحت ضغط العولمة الاقتصادية والتكنولوجيا الرقمية وتنامي الهياكل فوق القومية.
يُبرز شوفالييه أن الدولة المعاصرة تتجلى في ثلاثة أنماط متداخلة: الدولة الحامية المتمحورة حول الأمن في مواجهة تهديدات غير تقليدية، الدولة المتنافسة الساعية لتصدّر الاقتصاد والتقنية، والدولة الحوكمية القائمة على شبكات إدارة تشاركية تتجاوز الجهاز الرسمي. ويرى أن هذه التحولات انعكست على القانون نفسه، الذي انتقل من سلطة إلزامية مركزية إلى منظومة أكثر تركيزاً على الحقوق الفردية، ما أحدث فجوة بين العام والخاص وطرح تحديات على هوية دولة القانون.
يخلص المؤلف إلى أن الدولة لم تتلاشَ في عصر ما بعد الحداثة، لكنها تحوّلت إلى فاعل ضمن شبكة عالمية متعددة المستويات، وهو ما يفرض إعادة تعريف السيادة، والمواطنة، والشرعية الديمقراطية، خصوصاً أمام أزمات البيئة والثقافة وصعود النزعات الشعبوية، حيث يصبح التوازن بين الانفتاح العالمي والتماسك الداخلي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.