العـــــدد 9408
الثلاثـــــــاء 20 آب 2019
ها هو ذا خريف آخر آتٍ، يطفح بالتساؤلات والمتطلبات، يخدش وجه الوقت الجميل، يُدخل يديك في جيوب مثقوبة أو خاوية، لا تنفع معها عطل ولا أعياد، كيف لك أن تحتفي وتبتهج وقد انقطع الماء وانطفأت الأضواء؟!
تدير مع المساء وجهاً يغشيه الارتباك، تلوذ بصمت أو تهمس وتتمتم بكلام ينهمر وكأنك في حلم من أحلام اليقظة، ترى فيه ريحاً تدوي على عتبات النوافذ تأذن بخريف يعكر صحو النهار، وعلى صفحة القلب يتساقط مطر الحلم الحزين، ما الذي كدّر صفو الوقت وعكر الصحو؟ لم يبق من شيء للقول في هذا الزمن العجاف سوى الصمت والتنهيد…
خريف آخر يقتنص فرحة الأحلام، فيخنق وقت المنامات السعيدة ليأذن للكثيرين بكوابيس تمطرهم بالغصص والتعب والإرهاق، أين يرحل بهم، وقد مدَّ يد اليباس إلى أعناقهم، وأثقل أجفانهم باليأس؟
على شفاه الوالدين تتراكم أسئلة أطفالهم الذين لا ينتظرون منهما سوى الإجابة، وأي إجابة؟ ينفخ الخريف في وجه السؤال فيطفئ مصباح الجواب ثم يعلو ناتفاً ريش الجسد، ومعلناً انحباس المطر لتنكمش رقرقة السواقي، وتمتد سهول اليباس لتكتب الأشجار قصيدة هجران بصفرة مداد أوراقها المسافرة في مهب الريح، ينقبض النهار مرةً أخرى ليطبق جفنيه، ويغمض عينيه في سكون الليل، ليدخل في عباءة خريف قادم بات يطرق الأبواب- وما أكثرها – تلك الخاوية من فرحة الأعياد وضوء الشموع ونشوة المرح، يذكر بالعام الذي مضى، فيفيض من عينيك نهر من الأسئلة المحملة إليك لا تعرف لخاطرك وراحة بالك مرافئ الأمان.
في الأفق تتدافع الغيوم تسوقها الرياح سريعاً، والدروب والقلوب وأشجار الحقل ومواعيد العشاق، كلها في انتظار المطر.