الحفر على الخشب في اللاذقية.. تراث ينطق بالجمال ويقاوم الاندثار

الوحدة – ريم ديب 

تُعدّ مهنة الحفر على الخشب من أعرق الحرف التقليدية في مدينة اللاذقية، حيث تمتزج فيها الأصالة الفنية بالإبداع اليدوي، لتنتج قطعاً تحمل بصمة الماضي وعبق التراث السوري الأصيل.

منذ قرون، اشتهرت ورش المدينة القديمة بإنتاج تحف خشبية مزخرفة، كانت تزيّن البيوت والمساجد والدكاكين، وتشهد على ذوق فني راقٍ وإتقان حرفي مميز.

يُستخدم في هذه الحرفة أنواع مختلفة من الأخشاب الطبيعية، كالجوز والزان والبلوط، ويُنفَّذ الحفر باستخدام أدوات تقليدية بسيطة كالأزاميل والمطارق، إلا أن المهارة والدقة هما العنصران الأهم. تتنوع النقوش بين الأشكال الهندسية والزخارف النباتية والكتابات الفنية، وتُنفذ بأساليب متعددة، منها الحفر البارز والغائر والمفرّغ.

لطالما كانت هذه المهنة تعبيراً عن هوية ثقافية متجذرة، تُعبر عن تاريخ المدينة وتقاليدها الفنية.

وتُعدّ أعمال الحفر على الخشب جزءاً لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والروحية، إذ استُخدمت في تزيين الأبواب والنوافذ وصناديق العرائس وخزائن المنازل، واحتلت مكانة بارزة في العمارة التقليدية.

الحفر على الخشب

ورغم هذا التاريخ العريق، تواجه هذه الحرفة اليوم تحديات كبيرة تهدد استمراريتها، أبرزها تراجع الاهتمام العام بالحرف اليدوية لصالح المنتجات الجاهزة، وارتفاع تكاليف المواد الأولية، إضافة إلى غياب الدعم المؤسسي الكافي لإعادة إحيائها أو نقلها إلى الأجيال الجديدة.

وبرغم هذه التحديات، لا تزال بعض الورش في اللاذقية تحتفظ ببريق هذه المهنة، وتقدّم نماذج مبهرة من الحفر اليدوي، تجذب الزائرين والمهتمين بالتراث. كما بدأت بعض المبادرات الثقافية بتنظيم معارض ودورات تدريبية صغيرة لإعادة إحياء هذا الفن، والتعريف بأهميته الجمالية والثقافية.

إن الحفاظ على مهنة الحفر على الخشب لا يقتصر على حماية منتج تراثي، بل يتعداه إلى حماية ذاكرة المدينة وجزء من هويتها الفنية. فهذه الحرفة ليست مجرد مهنة تقليدية، بل إرث فني ينبض بالحياة، يستحق أن يُصان ويُدعم ليبقى شاهداً على إبداع الإنسان السوري وارتباطه العميق بأرضه وتاريخه.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار