وماذا بعد العيد ؟.. «مدرســـــة ومونة ومكدوس.. وتكبـــس على جــرحنا بالملـح»

العـــــدد 9407

الإثنـــــين 19 آب 2019

(عيد وعيدنا) والحمد لله انقضى بخير وسلام، وعشنا بعض أجواء العيد وفرحه بلباس وحلويات ولو كانت بأقل التكاليف وأدنى مستويات الصرف، لكن ماذا ينتظرنا بعد العيد ويرهق الفكر والبال عند أسر تضج بالأولاد وأقدامهم تكاد تطئ أبواب أيلول والمدارس ولا تبعد غير مسافة بضعة أيام، تحتاج منا اللباس والزاد فيها (المونة والمكدوس والمكابيس) التي تكبس على جرحنا بالملح، فالسوق يعيش أوج أيامه كما كل عام، كأنه في عرس أو كرنفال وقد تبرج بكل ما لذّ وطاب، والجميع يرقص (الحنجلة) دون اهتزاز لشعرة من رأسه.
كثيرة هي هموم الناس في هذا الشهر الكبيس، والتي تأتي على الراتب بعيون تترقب انخفاض لسعر سلعة هنا، وأخرى هناك عسى فيها بعض التوفير لشراء حاجة أخرى بفرق العملتين، وحين اندلاع الأصوات بالمزايدات والمناقصات ينحشر الناس فيها ويصطفون ما يروقهم ويناسب جيوبهم المثقوبة من الأحمال والأوجاع.

السيدة ندى مدرّسة: انتظرنا طويلاً لزيادة في الراتب أول الشهر فلم تكن، وقلنا في نصفه منحة تسعفنا وتسند حجر بدن راتبنا السقيم ليشتد عوده ويقوى على مشتريات وحاجات هذا الشهر للعيد والمونة والمدرسة واستهلاكياتها فخاب الأمل، صحيح أننا دبرنا أمورنا للعيد ببعض ما تيسر في يدنا وجيبنا وتحايلنا عليه بصنعنا بعض الأطباق والنكهات للضيافة وحملنا في يدنا بعضها لزياراتنا التي لم تتعد غير الأهل في القرية لنكون على (القد) والحمد لله سترنا الحال، ولكن جاء اليوم حيث من الصعب جداً أن نوفر هذا الشهر حاجيات الأولاد للمدرسة وغيرها للمنزل والمؤونة فالسوق باشتعال ويحرق ما في الجيوب، ويزهق راتباً قبضناه في أول هذا الشهر، ننتظر أول الشهر القادم بفارغ الصبر لنؤمن بعض المتطلبات واللوازم والأساسيات، وأولها اللباس المدرسي الذي وصل فيه سعر القميص بأقله 2500 ليرة والبنطال 3000 ليرة عداك عن الكتب والدفاتر والمحافظ والأقلام أقلها 10آلاف ليرة،
لتكون تكلفة ولد واحد من أسرتك في المدرسة ومرحلة أولى ما يفوق 25 ألف ليرة فكيف بولدين وثلاثة وليس من رصيد وحساب، لكن ما يثلج القلب أن والدتي حملتني بالباذنجان والفليلفلة لأجل المكدوس ولم يبق هم غير تأمين الجوز الذي أقله سعراً 6آلاف ليرة أفكر أن أعوضه بالعبيد فهو بألف ليرة فقط ولو كان علي صعب أيضاً.
أبو تمام هز رأسه لليمين واليسار، ضحك وزين قوله بالأشعار وقال: كان الله في عون الجميع (راحت السكرة وإجت الفكرة) على رأس موظف يتدبر مصروفه بألف حيلة ووسيلة، فسياط الأسعار تلسعه على كل جنب، ولدي ثلاثة أولاد، وإلى اليوم لم نتدبر شيئاً نحاول ذلك بقدوم أول الشهر، ونحن نلاحق نشرات أخبار الباذنجان والزيت وباقي الخضار، فقد كنا نخبئ زيت الزيتون ببراميل وجرار تتسع لمئات الليترات، واليوم قنينة صغيرة منه نخلطها بزيوت دوار الشمس لنقطرها على الطعام والطبخ، فقد تجاوز سعر الزيت 1800 ليرة والجوز بقيراط، أما الباذنجان فيتعدى 100ليرة والفليفلة أيضاً والثوم ألف و(عدي ما تعدي) في سباق محموم ومجنون تنفلت فيه الأسعار بأرقام فلكية ليس لنا بها نصيب، لتكون خزائن مطبخ بيتنا فارغة وسقيفته خاوية يختبئ فيها أطفالنا عندما يلعبون، وأنا وزوجتي الصبورة نجلس في المساء نضرب أخماساً بأسداس كيف لنا أن نتدبر أمر الأولاد والمؤونة وباقي حاجيات الشهر، نحسب لها الصرفيات التي يعجز عنها باب الواردات، ونتركها للتيسير، عسى أن ينزل الرحمة فينا بمائدة عجيبة من عنده ومعجزة، فلم نفقد الأمل والرجاء فلطالما ساعدتنا الحكومة وسط الأزمات وجور المدارس والمونة و.. فكانت المساعدات كما العام الماضي ب50 ألف ليرة كما اهتمت بالفقراء وأجادت عليهم بالحصص من خيرات هذا البلد الطيب وكلنا أمل في ذلك..
أيلول جيوبه واسعة وأزرعه تطال ما تراه، يأتي على كل أسرة حاملاً معه أوزار وأعباء إخوته من الشهور، تزداد فيه الاحتياجات وهاجس واحد تجتمع عليه آراء الجميع، يوميات تحمل في ملفاتها ( مدارس، مكدوس، مؤونة، مازوت) وفي هذا العام كان العيد قبل التحضيرات البعض من الناس عاشوا أجواءه وطقوسه على أصولها ولكن الآن ماذا بعد العيد ؟… جيوب أفرغت وهموم أثقلت التفكير وأقلقت النفوس وبالرغم من كل ذلك لا بد من وجود بعض من حركات (الفهلوية) التي تقوم بها النساء ليجدن لأنفسن مخرجاً وحلاً.

السيدة سفيرة: كنت دائماً أقع في مطبات الحياة وتأمين مستلزمات هذا الشهر ولكن بعد مرور عدة سنوات وفي كل عام أصنع فكرة جديدة حتى باتت الأمور بالنسبة لي سهلة ففي كل شهر أحتفظ بقسم من الراتب على جنب ومهما احتجت أنسى أن هناك مبلغاً وأعتبره ليس من حقي وفي هذا الوقت أجده الحل الأنسب ولم أعد أعاني كالسابق.
السيد عماد: هذا الشهر يعد موسماً لاستنزاف موازنة الأسرة لما تتطلب من إنفاق فوق المعتاد مما يشكل ضغطاً على حساب الدخل، لذلك ألجاً دائماً إلى تأمين عمل إضافي بعد دوامي أعمل به من أجل تأمين مبلغ يسد لي احتياجات عائلتي ولا يمكنني الاعتماد على أحد من العائلة أو الأصدقاء لأن الحال نفسه والجميع في بحث دائم عن حلول.
السيدة أم علاء وهي أم لثلاثة أولاد في المدارس يقول المثل: ضربتان على الرأس توجع ولكن كيف ونحن الآن نتلقى ضربات متتالية ولا يمكننا إحصاؤها؟
العيد وفرحته التي لا يمكننا أن نحرم أطفالنا منها وخصوصاً مرت سنوات ولم نشعر بسعادته وبهجته وكذلك المدارس والملابس والدفاتر والمكدوس والمازوت والمؤونة وكل ذلك يعني نحن الآن في حلبة ملاكمة والحياة تقذف ضرباتها والأجمل أننا صامدون ونحرج من ضربة بقوة وعزيمة وعلى استعداد دائم، فالحياة مليئة بالعمل أذهب وأساعد الجيران في عملهم، وفي نهاية كل يوم أقبض ثمن أتعابي وهكذا إلى أشتري كل مستلزمات عائلتي.
السيد خلدون: في هذا العام قصرنا بحق أولادنا والعيد لم نستطع إعطاءهم ما يستحقون من شراء ملابس وحلويات والقيام برحلات وزيارات إلى الأقارب، وكل ذلك بسبب اقتراب افتتاح المدارس وتحضير المونة وسمفونية الطلاب (أريد دفتراً جديداً وقلماً ومستلزمات)، وهذا هو الأهم، بالصبر والإيمان والمحبة التي تجمعنا يمكننا أن نتعاون ونشتري الأشياء الضرورية والمتوفرة ضمن الإمكانيات.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار