العدد: 9285
5-2-2019
منحَ اللهُ تعالى آدم القدرةَ على تسمية الأشياء بوصفه خليفته على الأرض من جهة، وليقدِّم برهاناً لمن شكَّ بأحقيّة آدم، وما جاء في آية (31) من سورة البقرة يؤكدّ ذلك، «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ».
لا تقتصر هذه الآية على إثبات الاسم سلطة فحسب، فالأشياء التي كانت بلا تعريف، أصبحت ذواتاً معرّفة أو معروفة بعدما أعطاها آدم الأسماء، وأصبحت لها مكانة معينة في ملحمة الوجود، فقد أعطى الاسم حامله هوية وبات وسيلة تعريف وتمايز، فهو رمز تختلف دلالاته باختلاف الزمان والمكان واللغة، وباختلاف المُسمِّي والمُسمَّى، كثير من الأشخاص اضطروا مرغمين مكرَهين على حمل أسماء لا تلائم في معناها مبناها، إذ لا انسجام ولا مواءمة بين الاسم وصاحبه، وبعضهم لم يدرك هذا التفاوت فاستكان له راغباً لا مبالياً، فبعض الأسماء تحمل قيمة إيجابية كاسم (حسن) الذي يفتقد صاحبه كل سمات الحسن، واسم (إباء) الذي يفتقد صاحبه إلى الأنفة والامتناع.
يفسِّر (أبو عثمان الجاحظ) أمرَ الأسماء إلى معتقدات خرافية ربما، فكان العرب في الجاهلية يأتون بالأسماء على سبيل التفاؤل والتبرُّك، وخصوصاً لدى تبشيرهم بميلاد الذكور، فكان الرجل منهم إذا وُلِد له ذكرٌ خرج يتعرَّض لزجر الطَّير والفأل، فإن سمع إنساناً يقول حجراً، أو رأى حجراً سمّى ابنه به، وتفاءل به الشدّة والصّلابة، والبقاء والصّبر، وكذلك إن سمع إنساناً يقول ذئباً، أو رأى ذئباً، تأوَّل فيه الفِطنة، والمَكر، وإن كان حماراً تأوَّل فيه طول العمر والوقاحة، والقوة والجلَد، وإن كان كلباً تأوَّل فيه الحراسة واليقظة وبُعد الصيت وواضح أن هذا الأمر في التسمية لا يبرح قائماً إلى يومنا هذا، فقد يتهافت الناس على تسمية أولادهم بأسماء ذات معان ودلالات تفاؤلاً بالمعنى الذي تحمله إيماناً بتمثله من جانب، وتبرُّكاً وتشبُّهاً بأسماء بعض المشاهير في جميع الأصعدة من جانب آخر.
الاسم هو أول ما يمتلك المرء، يُلازمه طيلة حياته وقد يكون له تأثير واضح في ذات حامله وفي تركيبته النفسية بما يوحيه له، فاسم جواد قد يعطي صاحبه سمة الكرم والسخاء، واسم نبيل ممكن أن يعطي حامله شيئاً من النبل والرقي، وهذا واحد لدى علماء الطاقة ودارسي أثر الاسم في صاحبه.
الأسماء كغيرها من المكونات تكبر وتهرم وتموت إذا لم يتعهدها مسمّوها بالعناية، كما حصل ويحصل في البلاد العربية ونحن بحكم تقبُّلنا لأسماء بعض المناطق وكل ما يتعلق بها بتنا نؤمن بما تبثه من دلالات معنوية، فالأعراب مثلاً اسم ازدراء واستهوان، أطلقه أهل المدن العربية على أهل البادية، متناسين أن الاسم الأصلي، (العرب)، كان قد أطلق عليهم أساساً من أهل حضارات متمدنة سابقة رأت في أجدادهم الرمزيين خطراً بسبب تنقلهم المستمر في البادية، وكذلك حال الأسماء التوراتية التي يصرُّ اليهود في الأرض المحتلة على إطلاقها على بعض المدن الفلسطينية خاصة عندما تكون العلاقة بين الأرض وساكنيها علاقة احتلال، (فأورشليم) مثلاً هي القدس، والاسمان نابعان من قدسيتها (فهي بيت مقدش بالعبرية) وهي (إيلياء) بالنسبة للعرب المسلمين الفاتحين في القرن السابع.
الأسماء خدّاعة أحياناً، تدل على ما لا تعني وتخفي في طياتها رغبات مُسميها بتحويرها أو بتزويرها، خاصة في أوقات الشدة والتقهقر.
د.غيثاء قادرة