التنمـّر الالكتروني .. أبشـــع صور الانتقـــام

العدد: 9394

 الأربعاء 24-7-2019

تيماء فتاة في الصف العاشر، هادئة ومجتهدة في صفها، والجميع يحبها لكن يبقى منهن من يترصد لها ببعض المكائد التي ربما يجدن بها بعض المزاح من العيار الثقيل، ليصل حدّ الإساءة والصدمة من صورة نشرتها مع والدتها البعيدة عنها، وقد طلقها والدها منذ أعوام، فقد عرفت حقيقة ما اقترفته والدتها من تعليقات وتشويهات على سمعتها، دفعت بها لوضع الحواجز والجدران بينها وبين الناس، بل غابت عن مدرستها لأيام، وعندما رجعت كان قد فاتتها بعض الدروس لكن لم يفتها أن ترد على رفيقاتها بأبشع صور الانتقام والابتعاد عنهن وحتى الانتقال من المدرسة والحي كله. أما صفاء التي فسخت خطبتها بعد أكثر من عام، عاشت فيها بأحضان الحب والفرح، وابتعدت عن حبيبها الذي عشقها لحدّ الوله، فما كان منه إلا أن نشر صورها على مواقع التواصل ببعض العبارات التي استفزتها وأقعدتها حبيسة البيت لأكثر من عام، وتركت مدرستها وصفها في البكالوريا، بل ارتضت لنفسها أن تُخطب لرجل أكبر منها بعشرات الأعوام والذي رغب به أهلها ظناً منهم أنه الحل. حكايا كثيرة نسمعها ولا نعلم لها تحت أي مسمى ما يمكن معالجة الأمر وتلافي أن تصل لأغوار ليس فيها نجاة .

* السيدة رغداء خير بك، مرشدة نفسية

أفصحت لنا بأنه تصلهم حالات بهذا الشكل في المدارس، فقد تعرّض معتصم لمثل هذه الإساءة من قبل رفاقه حيث تم نشر صورة قديمة له وعولجت على أيدي بعض العابثين ليتداولوها ويستهزئوا، وأوضحت لنا بأن التنمّر هو فعل عدائي يقوم به المتنمر الكترونياً باستخدام التقنية الحديثة ضد طرف آخر بغرض إلحاق الضرر به مادياً، معنوياً، اجتماعياً، نفسياً ومن أشكاله: رسائل التهديد التي تصل من مصدر مجهول إلى البريد أو الحساب الشخصي في تطبيق ما وتكرار الفعل، التعليقات غير اللائقة اجتماعياً وأخلاقياً على صورة خاصة أو مقال أو فيديو منشور على الانترنت وتداوله بين أوساط المجتمع، الاتصال الهاتفي أو التصوير من غير علم الطرف الآخر ونشر صوره على وسائل التواصل المختلفة بهدف إلحاق الإيذاء به، نشر شائعة أو معلومات عن الطرف الآخر بهدف الإساءة أو تشويه السمعة، نشر صور حقيقية أو معدلة يبدو فيها الطرف الآخر في وضع لا يرغب الآخرون في مشاهدته، حقوق الملكية الفكرية وتخريب المعلومات وسوء استخدامها، التجسس من خلال تطبيقات صممت بهدف اختراق الخصوصية، الدخول غير المصرح وغير القانوني للشبكات بهدف الإساءة للآخرين، التحرش والابتزاز من خلال قنوات التواصل الالكترونية المتعددة، انتحال الشخصية ونشر مشاركات الكترونية مختلفة تسيء للآخرين، التحايل وتسريب معلومات لا يرغب الطرف الآخر اطلاع أحد عليها النبذ أو الاستبعاد الالكتروني..
ومن الأضرار الناتجة عن التنمر الالكتروني: فقدان المعلومات والبيانات الهامة، اختراق الأنظمة والقوانين، يؤدي لتفكير الضحية في المشكلة مما يسبب له تأخراً دراسياً أو فقدان عمله أو حتى علاقاته الاجتماعية، التشهير بالآخرين والسخرية، العزلة عن المجتمع المحيط، فقدان كلمات الدخول الخاصة والحسابات المهمة، الدخول غير المشروع على الصور الخاصة واختراق الهواتف الذكية، وفي الغالب يتسبب المتنمر بالإيذاء النفسي للطرف الآخر، من الممكن أن يكون المتنمر الالكتروني شخصاً يعرفه المستهدف أو مجهول الهوية ويطلب المشاركة من أشخاص آخرين ولا يعرفون المستهدف وهو ما يسمى بالتكديس الالكتروني وهو ما يؤدي لأذية نفسية حيث نشرت مجلة البحوث النفسية والاجتماعية للفضاء الالكتروني تقارير حول الآثار الحرجة عند جميع المجيبين وتمثلت في: انخفاض احترام الذات، الوحدة، خيبة الأمل، عدم الثقة بالناس، وقد وصل بالبعض إلى الانتحار، التفكير بالانتقام، الخوف الدائم والإحباط، والغضب والاكتئاب.
أنواع التنمر
لفظي بالشتم والسباب، جسدي الاعتداء بالضرب، واجتماعي تشويه سمعته بين الآخرين، وتنمر في العلاقة الشخصية والعاطفية.
من أساليب علاج التنمر الالكتروني: بسبب تعدد مصادر التنمر الالكتروني يتوجب على كل جهة ذات علاقة بالأمر وضع تعريف يتناسب مع طبيعة الفئة العمرية والبيئة المحيطة.
الأسرة: تعرف أبناءها على التنمر بأسلوب يفهمه الأبناء واطلاعهم على قواعد ضبط استخدام الأنترنت وآلية التواصل مع الآخرين من خلال برامج التواصل المختلفة، وأيضاً المدرسة ولجان التنمية الاجتماعية والجمعيات.
المدرسة: يتجلى دورها من خلال تدريب كوادرها المختلفة على الحالات التي قد تنجم عن حدوث التنمر الالكتروني، إعداد البرامج التوعوية الثقافية التي نشرت ماهية التنمر الالكتروني، توظيف البرنامج الصباحي (الإذاعة المدرسية) في التعريف بالتنمر، إعداد فريق مدرسي وقائي مؤهل له مهام يصل على تحقيقها ويقوم بجمع الملاحظات والظواهر التي تدل على وجود تنمر الكتروني بالمدرسة، حث الطلاب وكسب ثقتهم في الإبلاغ عن حالات التنمر الالكتروني التي قد يتعرضون لها، الإعلان من قبل إدارة المدرسة عن العقوبات القانونية التي قد تطال الفاعل.
أولياء الأمور: مراقبة الأبناء عند استخدامهم للأجهزة الإلكترونية وبرامج التواصل المختلفة، وتحديد أوقات استخدامها، استعراض المواقع الالكترونية التي يزورونها باستمرار والتعرف على ماهية المادة التي تقدمها تلك المواقع، وضع قوانين أسرية يمكن لها الحد من حدوث حالات تنمر الكتروني مثل عدم الحديث مع أشخاص مجهولين، عدم فتح أية رسالة من جهة مجهولة، أهمية إبلاغ الأهل في حال حدوث حالات تنمر مهما كانت، أهمية التعاون والتواصل مع المدرسة في هذا الشأن.
الجمعيات التعاونية: نشر الوعي بمدى خطورته بين أفراد المجتمع من خلال برامج توعوية، التعاون مع الجهات ذات العلاقة مثل المعاهد المتخصصة والجامعات لإقامة ندوات.
التنمّر ظاهرة عدوانية
التنمر موضوع اجتماعي مهم ويجب البحث في تفاصيله للغوص في هذا المجال كان لنا لقاء مع المرشدة النفسية إيمان حسن:
التنمر ظاهرة عدوانية وغير مرغوب فيها، تنطوي على ممارسة البعد والسلوك الوراثي من قبل فرد أو مجموعة نحو غيرهم، وتنتشر بشكل أكبر بين طلاب المدارس وبالبحث في وضع هذه الظاهرة تبين أن سلوكياتها تتصف بالتكرار بمعنى أنها قد تحدث أكثر من مرة، ومن أهم أشكال التنمر خطورة هي التنمر المدرسي ويشير هذا المفهوم إلى سلوك عدواني متكرر يهدف إلى الإضرار بشخص أخر جسدياً أو نفسياً، واكتساب السلطة على حساب شخص آخر، ويمكن أن يتضمن التصرفات التي تُعد تنمراً مثل التنابز بالألقاب الإساءة اللفظية أو المكتوبة والإقصاء المتعمد من الأنشطة والأذية الجسدية، وهذا دليل على اختلال في موازين القوة لدى الطالب المتنمر، فالطالب الذي يستخدم العنف والقوة البدنية للحصول على ما يريده دليل واضح على خلل في الطاقة لديه.
ذكرت السيدة إيمان بعض العلامات الدالة على التنمر:
خوف الطالب من الذهاب إلى المدرسة واختلاق الأعذار للتغيب، فقدان الطالب للتركيز والحصول على علامات متدنية، السلوك الانعزالي للطلاب داخل المدرسة أو خارجها، فقدان الطالب ثقته بنفسه، ظهور علامات كآبة والمكوث طويلاً في المنزل، فقدانه أغراضه الشخصية يدل على أنه تعرّض للتنمر، ظهور كدمات وإصابات في جسمه ووجهه، أما بالنسبة للتنمر الجسدي فهو الضرب وإتلاف الممتلكات، التنمر اللفظي ويتضمن إهانة الآخرين وتخويفهم، التنمر الاجتماعي ويسمى التنمر السرّي وذلك يصعب كشفه ويشمل نشر الإشاعات والأكاذيب وتهديد الآخرين ومحاولة تشويه سمعتهم.
وأرجعت السيدة حسن إلى التغيرات التي حدثت في المجتمعات والمرتبطة أساساَ بظهور العنف واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع وتأثير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على المراهقين وكثرة المهجرين والفقراء وعدم قدرة أهل هؤلاء على ضبط سلوكياتهم، أيضاً وجود خلل في أساليب التنشئة الاجتماعية والتواجد في أسر عدوانية والاعتياد على الألعاب الالكترونية العنيفة وتفشي العنف والاضطرابات السلوكية ليظهر التنمر الالكتروني.
أما بالنسبة للعلاج: لا بد من تكاتف جهود مسؤولي المدرسة وأولياء الأمور للوصول إلى علاج، وبالنسبة لدور المرشد النفسي: له الدور الأعظم وعليه التدخل في كل الأمور وتوفير البيئة الآمنة والإيجابية للطلاب وتعزيز الانضباط الإيجابي والعدالة في المدرسة، ووضع الحلول المناسبة من خلال دراسة الحالة للوصول إلى بيئة آمنة.
التنمر لا يقتصر على الطلاب وإنما هو ظاهرة نراها في كل المراحل العمرية ولا سيما التنمر الروحي وهو لا يختلف عن مفهومه العام إلا أنه يكون في الحياة الزوجية وهو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجه من قبل الزوج أو الزوجة تجاه الطرف الآخر والذي عادةً يكون هو الحلقة الأضعف في العلاقة، وتظهر علاماته عادة عند الرجل في فترة الخطبة وذلك إن كان الزوج المستقبلي قد عانى في طفولته من سلوك ما أو العيش في جو عائلي لذلك يحاول جاهداً تطبيق ذلك منذ بداية الارتباط، وأحياناً لا تظهر سلوكيات التنمر إلا بعد الزواج، فيكون على شكل حب السيطرة ويجب أن يكون الرقم واحداً أمام الجميع أما الزوجة فتظهر بشكل أقل منه شأناً ويزيد هذا الشعور لديه إن لها مكانتها الاجتماعية المميزة، وما إن تظهر له شيئاً بسيطاً بحقه يشتاط غضباً ويبدأ بتوجيه الكلام الجارح لها وأحياناً الضرب.
أخيراً: سلوك التنمر هو ليس حالة مرضية بل هو ظاهرة وسلوك مكتسب وليس فطرة يأتي نتيجة ضغوط نفسية وعدم الثقة بالنفس والإحساس الدائم بعدم الأمان وتعرض الشخص المتنمر لسوء معاملة في فترة ما من حياته والشعور بالغيرة.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار