تستحم عارية في بحر طرطـوس

العدد: 9393

الثلاثاء23-7-2019

 

يرمي الصياد شباكه، ينتظر، وحين يهم بسحبها بعد أن تكون قد جمعت ما تيسر من سمك في المكان، تعلق الشباك، يحاول، ويحاول، يسبح، يلطمه الموج، ويلطم بقدميه محاولاً تخليص شبكته من رمال غمرتها، وأثقلت الشبكة الكبيرة الطويلة، غرزتها في أرض حنون لتهرب الأسماك فرحة بعمر جديد..
يساعد الصياد صياداً آخر في المكان دون جدوى، تخرج الشبكة بعد جهد عارية فارغة بثقوبها، ورمال عالقة.
قصة صياد يعمل يومياً بالصيد لإطعام أسرته والعيش، يعتمد على البحر، يؤكد أن كل الأماكن مناسبة للصيد، نريد أن نعيش.
يجيب على سؤال: أين تبيع ما يقدمه لك البحر؟ وهو يشير بيديه إلى المجموعات الكثيرة التي تملأ الشاطئ: هذه الأسر القادمة من كل سورية إلى الشاطئ لتجلس بجانب البحر وتنتظر خيراته، قد أبيعهم، وإذا لم أجد راغباً أحملها إلى بائع هناك – يشير بيده أيضاً- مقابل البحر يشتريها بالجملة، وكل وحظه ونصيبه.
في الجهة المجاورة حيث ينقسم الشاطئ بمكاسر – كما يسمونها – يجتمع الأطفال، وأهاليهم يسبحون بفرح واضح بملابسهم أو بلباس البحر لا يهم، هنا لا قيود ولا شروط للسباحة، هنا لا يدفع ابن مدينة طرطوس صاحب البحر مبالغ ليسبح – هو غالباً – غير قادر على دفعها، فقد وصلت الحضارة إلى شاطئه المجاور لبيته، ورسمت الحدود التي رفضها، ونزل يسبح غير آبه بلوحة تمنعه، أو صخور غطت الرمل الحنون، أو روائح لمجرور تقرَر تغيير خط سيره منذ سنين، وما يزال المشروع قيد المخطط، وفي المصنفات، والأدراج، أما الزوار الذين يشاركون أهل الدار السباحة والفرح المجاني، فلا يهمهم أن يقضوا حاجتهم حيث يشاؤون في أماكن خصصت كمشالح، هي الحاجة والضرورة ريثما يكتمل مشروع المشالح التي ما تزال على الهيكل دون أبواب وما يلزم حتى اليوم.
قد توضع في خطة خمسية قادمة أو تترك للريح، ولعابر سبيل مضطر، لا أهمية لنظافة المكان، رمي الأوساخ أمر عادي حيث يجلس السائحون، وحيث يمضون الوقت كما يشتهون، الأوساخ التي يتركونها، بصماتهم، يزيلها عمال بوسائط بسيطة صبيحة اليوم التالي تحت أشعة الشمس الحارقة.
للأمانة، كان طفل صغير يمد جسده محاولاً الوصول إلى سلة مهملات معلقة ليرمي فيها عرنوساً التهم حباته، يدسه بصعوبة، ويمضي بسعادة، يقابله شاب يرمي علبة سجائره الفارغة عند قدميه، وهو يضحك بصوت مرتفع ويتحدث إلى رفاقه عن مغامراته.
مشهد آخر يدعو للسعادة غير الطفل النظيف، رؤية الأحبة يجلسون فوق الصخور متلاصقين غير عابئين بالمارة والنظرات الفضولية.
ازدحام المكان بالسائحين، بداية عطلة، مساء خميس وجمعة، لا يدعو للعجب فلا نفقات يدفعونها هنا إن رغبوا، وأسعار الطاولات البلاستيكية التي ملأت المكان متواضعة قياساً بالمقاهي، والمقاصف، والمطاعم، طاولات بسيطة وكراسي شغلت الأرصفة حتى ضاعت المقاعد المهددة بالتخريب، وقد تلاشى الكثير منها في منافسة غير شريفة.
كثير من أهالي الحي المجاور للبحر يحملون أشياءهم من بيوتهم، يفترشون الأرض كمقاعد وثيرة، يرقبون غروب الشمس واختفاءها في مياه البحر كأنها ملّت الحرّ، الازدحام، الضجيج، الفوضى، أرادت أن تنطفئ، أو تسبح، تستحم عارية، ريثما يأتي فجر جديد، لتعاود السطوع.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار